ثقافة وفن

ألقاب الشوام بين الآنيّة وديمومة المعنى

| منير كيال

تعارف الناس بدمشق حتى أوائل النصف الثاني من القرن العشرين على إطلاق ألقاب على الرجال والنساء.
وقد ارتبطت هذه الألقاب إلى حد كبير بمكنونات من تطلق عليه رجلاً كان أم امرأة. وكان من هذه الألقاب ما تناول صفات من تطلق عليه، امتلاء ونحولاً، طولاً وقصراً، صحة واعتلالاً أو سقماً، فضلاً عن الألقاب التي تناولت مناقب من تطلق عليه ومواقفه لدى التعامل مع الآخر بل سلوكه أيضاً. وكان من هذه الألقاب ما أطلق على سبيل الانتقاد إزاء ما يصدر عنه.
وإذا كانت أغلبية الألقاب التي تطلق على النساء مماثلة لما يطلق على الرجل مع إمالة طفيفة باللفظ للتأنيث، فإنها بجميع الأحوال تختلف عن الكنية التي يحملها أفراد الأسرة، لكون الكنية دائمة متوارثة على حين يكون اللقب مقتصراً على من يطلق عليه. فهو خاص به دون غيره رجلاً كان أم امرأة.
وإذا كانت الألقاب التي تطلق على الرجل لها صفة الديمومة، فالرجل الذي أطلق عليه لقب: شهم، لا يكون نذلاً بين ليلة وضحاها، وبالمقابل فإن من الألقاب التي أطلقت على المرأة قابلة للتبدل للمرأة الواحدة، ويرتبط ذاك التبدل بحضور المرأة المجلس الذي يطلق فيه عليها اللقب.
ذلك أن اللقب الذي يطلق على المرأة بمجلس تحضره يكون على جانب من التملّق والمداهنة من باب التحبب لتلك المرأة، فإذا غابت هذه المرأة عن مجلس فقد يطلق عليها لقباً مغايراً لما أطلق عليها بالمجلس الذي هي حاضرة به، وتبعاً لذلك تكون المرأة التي لقّبت إنها راتبة بمجلس تحضره غير ذلك حال غيابها، كأن تلقب بأنها شرشوحة، كما قد يطلق على المرأة المحبة للتواصل لقب لألوءة، أو مسفّقة.
وفي جميع الأحوال فقد تناولت ألقاب الرجل والمرأة جوانب لا تحصى، وكان من أهمها ما يتعلق بهيئة جسم من يطلق عليه اللقب رجلاً كان أم امرأة.
كقولهم بالرجل: طويل، قصير، مدربس، زمِك، وقولهم أخو أختو بمعنى عالي الهمة، ولقب رجل كرسي للرجل الذي وجوده وعدم وجوده سيان وكذلك لقب ابن مبارح لقليل الخبرة، ومن هذه الألقاب لقب وشه (وجهه) حامٍ لمحب المساعدة.
وقولهم للمرأة لقب إنها: مربوعة مكملة القوام، وللمرأة الطويلة الممشوطة لقب عصاية طقي.
وكان من هذه الألقاب ما ارتبط بسلوك من تطلق عليه وتعامله مع الآخر سلباً أو إيجاباً، وما كان عليه من طباع إيجابية أو سلبية كقولهم بالرجل لقب: أشبه بعالي الهمة، وحربوق، لحسَن التصرف، وتنتوف للمعدم. ولقب فطايسي للمترخص، وللكريم لقب جيبته مبخوشة وقولهم بالمرأة لقب: أرنبة للانطوائية، بِرمة: للنشيطة، ولقب مكنسة الطريق لكثيرة الخروج من المنزل دونما ضرورة لذلك.
يضاف إلى ذلك الألقاب التي كان الغرض من إطلاقها توجيه النصح والإرشاد، وتلافي زلات اللسان، كقولهم للرجل المبذر: جيبته مبخوشة، وللحريص أندوء (أندوق) والمعدم تنتوف، وللمرح زهراوي.
وبالمقابل قولهم بالمرأة التي لا تحرص على محتويات بيتها بأنها مبذّرة، ولكثيرة الكلام بلا طائل بأن لسانها لا يفوت (يدخل) إلى حلقها، وقولهم لقب نسناسة للمرأة التي تدبر الأمور بمعزل عن غيرها، أو تقوم بزرع الخلاف بين امرأتين على نحو من الخبث والمكر للإيقاع بينهما.
وفي ضوء ما قدمناه بهذا البحث، لابد لنا من الإشارة إلى أن إطلاق الأسماء على الرجل والمرأة بالأسرة التقليدية كان من مسوغات طباع المرأة والرجل فيما مضى، يوم كان لدى الناس متسع من الوقت للتعبير عما يجول بخواطرهم وتعاملهم لبناء مجتمع فيه الخير للوطن وإذا اقتضت طبيعة الحياة في عصرنا عدم الحرص أو الاهتمام بإلقاء هذه الألقاب على الرجل والمرأة فإن القيام بعملية مسح أو دراسة لهذه الألقاب على مستوى القطر العربي السوري سيوفر للدارسين والباحثين مادة مهمة، على طريق معرفة ظروف تطور المجتمع من جميع النواحي، وصولاً إلى الأطر التي يقوم عليها بناء المجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن