الصفحة الأخيرة

كرسي البيت الأبيض

| زياد حيدر 

ما زال الوقت مبكراً على الرهان، من يكون الرئيس الأميركي القادم، والذي ترجح «الحكمة» السياسية القول إنه ربما لن يكون الرئيس الحالي دونالد ترامب، ولكن مع الحذر من الطريقة ذاتها التي سخرت احتمال مجيئه للرئاسة، هازما ابنة المؤسسة السياسية الأميركية هيلاري كلينتون.
من دون ادعاء الخبرة بالشأن الأميركي، ولاسيما أن مدعي الخبرة والخبراء استبعدوا نهائياً وصول ترامب للرئاسة، من المثير النظر للتسلية الإعلامية القائمة حالياً، متمثلة بإمكانية ترشح المقدمة التلفزيونية الشهيرة أوبرا لسباق الرئاسة ضد ترامب، وذلك في بلد أثبت فعليا أنه قادر على تنويع أشكال وهويات رؤسائه تبعا للمزاج العام، ولكن من دون أن يغير في سياسة البلد في شيء جوهري.
وجاء تسليط الضوء على أوبرا بعد خطاب لها في حفل توزيع جوائز «الغولدن غلوب» السنوي، الذي اعتبره البعض بمنزلة تلميح بإمكانية سلوكها هذا الدرب.
تعتبر الإعلامية سيدة أعمال ناجحة، بل مليونيرة، لكن أهميتها ظلت مرتبطة ببرنامجها الحواري الشهير، الذي رغم طول مدة عرضه (25 عاماً) اعتمد فعلياً على حوارات قصيرة غير عميقة، إنسانية الطابع أو مع مشاهير، وبلغت شهرته ذروتها من الشراكة الإعلانية التي مكنت المقدمة من توزيع هدايا على جمهورها (من دون مقابل سوى التصفيق) وصلت أحياناً لمستوى سيارة لكل من حضر إلى الإستديو.
ورغم أن السيدة نفت رغبتها في هذه «الوظيفة» الكبيرة، إلا أن ثمة من رغب في تخيل أوبرا في المكتب البيضاوي، محاطة بجملة من المستشارين السياسيين، وإلى جانبها ضابط تقليدي يحمل حقيبة الرمز السري للسلاح النووي، تحكم العالم.
هذا جزء من البروباغندا الإعلامية الأميركية، التي قامت على «مقولة الحلم الأميركي» الذي يتلخص بحرية المرء في اختيار ما يكون وما سيكون عليه (نظرياً) ومن ضمنها أن يكون رئيساً لأقوى بلد في العالم.
كل هذا رومانسي وجميل، لكن المشكلة في أن هذا البلد لا يهنأ إلا بأذية غيره. ومن ثم فإن تدخل السياسة الأميركية في شؤون البلدان الأخرى أمر جوهري في من يحكم واشنطن، وبغض النظر عن الخلفية التي يأتي منها، من الصعب عليه إهماله.
لذا فإن تخيل مجيء شخص كأوبرا، رغم نفيها، لا يثير قلقا أقل أو أكثر من مجيء شخص كدونالد ترامب، ومن قبله قديما رونالد ريغان (قادم من خلفية سينمائية) ولا حقاً جورج بوش الابن (وكان مثالا للرعونة وخفة العقل) والأخير كان ابن المؤسسة السياسية الأميركية، الأمر الذي يذكرنا بوالده جورج بوش الأب (معشوق قسم كبير من الزعماء العرب).
كل ما سبق يشير إلى أن السباق إلى تولي زعامة «العالم الحر» كما يحلو للأميركيين القول، لا يحتاج دوما إلى شهادات عليا، وخبرات سياسية ملموسة، ومساهمات دولية تنموية، ومناصب سابقة، ناهيك عن ترؤس حزب كبير أو تيار سياسي مؤثر.
تحتاج إلى نجومية ما، ومن ثم الأهم ممول مهم، إن لم تكن تملك ما يكفي من المال، والأغلبية ليست كما ترامب، ومن ثم دعم الجماعات الضاغطة الأساسية، وماكينة إعلامية مؤثرة، وشهية للقول «أنا زعيم العالم الحر»، وفريق من المحترفين لكتابة الخطب والتعليقات.
بعد سباق الترشح المرهق، تسند ظهرك على الكرسي الجلدي، وتترك للموج الذي قذفك عليه أن يفعل فعله في عالمنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن