من دفتر الوطن

قلب واحد!

| حسن م. يوسف 

«الكاتب الكبير شمس الدين العجلاني، يلحق بفلذة كبده الشهيد الإعلامي الشجاع ثائر شمس الدين العجلاني. قالوا: السبب ذبحة قلبية، والحق أن قلب الكاتب الكبير ذبح يوم ارتقى ابنه ثائر شهيداً. فليكن ذكر الأب وابنه مؤبداً».
ذلك ما كتبته على صفحتي في الفيسبوك عندما صدمني نبأ رحيل الباحث والإعلامي الزميل شمس الدين العجلاني إثر نوبة قلبية حادة على باب الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بدمشق.
كنت أشتري الخبز الأسمر من فرن الشعلان عندما حطت يده على كتفي لآخر مرة، وما إن التقت عيناي عينيه حتى استيقظت فينا تلك الغصة التي لم تفتر يوماً، غصة استشهاد ولده البكر المراسل الحربي الشجاع البهي، ثائر شمس الدين العجلاني في 27 تموز عام 2015.
ألح علي كثيراً أن أذهب معه إلى بيته القريب، إذ ثمة أشياء كثيرة يريد قولها لي، اعتذرت منه لأنني أوقفت سيارتي في مكان ممنوع، ولم يطلقني إلا بعد أن قطعت له عهداً بأن أتصل به في أول مرة أجيء فيها إلى دمشق، غير أن الأقدار شاءت ألا أتمكن من الوفاء بعهدي.
قليلون يعرفون أن الباحث شمس الدين العجلاني بدأ حياته الأدبية كشاعر وقد شجعه الشاعر الكبير محمد الحريري على نشر ديوانه الأول (المجنون)، ونظراً لأن الأدب لا يعيل الأديب في بلادنا وفي كثير من بلدان العالم فقد انتقل شمس الدين للعمل في الصحافة، وقد قيم تجربته هذه بقوله إن الصحافة: «أبعدتني عن الشعر حتى أكلتني». لكن جذوة الشعر لم تنطفئ في قلب العجلاني إذ أطلق قبل عام وبضعة أشهر ديوانه الثاني «تغريدة دمشقية من أثينا». وقد قدم نفسه من خلال إحدى قصائده: «أنا من تعمّد بمياه بردى/ وخرج بالعراضة الشامية/ أنا من غنّى زيّنوا المرجة والمرجة لينا/ ونادى يا شيخ رسلان يا حامي البر والشام/ أنا من ارتدى الياسمين دثاراً/ والغوطة فراشاً /وتحت أقدام قاسيون ولدت وعشت /عشقت وأنجبت.. /أنا من سلالة الحب والعشق».
من المعروف أن أمراض القلب والأوعية الدموية هي القاتل الأول في جميع أنحاء العالم. إذ يبلغ عدد من يعانون أمراض القلب والأوعية الدموية نحو مئة واثني عشر مليون شخص أي ما يعادل 1.6 بالمئة من سكان كوكب الأرض، كما تبين الدراسات الحديثة أن هناك علاقة وثيقة بين القلق والاكتئاب النفسي وأمراض القلب والأوعية. وقد صرح مدير عام مشفى جراحة القلب الجامعي بدمشق، حسام خضر، مؤخراً «إن الأزمات القلبية ازدادت بمعدل 50 بالمئة نتيجة تداعيات وظروف الحرب في سورية».
ولعلمي بما سبق، سمحت لنفسي أن أقول: إن قلب الكاتب الكبير شمس الدين العجلاني قد ذبح يوم ارتقى ابنه ثائر شهيداً.
في حمص، وقبل وفاته ببضعة أشهر، سألت الشاعر الكبير محمود درويش، في آخر لقاء لنا، عن صحته، فأجابني بالفصحى قائلاً بمرح: «إذا بلغت الستين، واستيقظت دون أن يوجعك شيء، فهذا يعني أنك قد متَّ». وبعد ذلك راح الشاعر الكبير يتحدث عن غرابة وفرادة ولا معقولية تكوين جسم الإنسان، فالشَّعْر ينمو في كل مكان من جسد الإنسان ما عدا راحتي يديه وباطن قدميه وشفتيه، ويبلغ مجموع الشعر في جسم الإنسان نحو خمسة ملايين شعرة منها مئة ألف شعرة في فروة رأسه فقط! لكنه يملك قلباً واحداً فقط لا غير!
كل إنسان يملك الملايين من الشعرات التي لا تؤثر في حياته. لكنه لا يملك سوى قلب واحد تتوقف حياته بتوقفه! يا له من لغز محير!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن