ثقافة وفن

بالقرب من الحميدية..

 سيلفا رزوق : 

أيام الدراسة والجامعة كنت أنا ومجموعة من الزميلات والصديقات نقصد بين الفينة والفينة بعض أحياء دمشق القديمة الساحرة.. سيراً من كلية الآداب على اوتستراد المزة إلى أسواق الحميدية والبزورية ومدحت باشا وأمكنة أخرى، لا أزال أذكر تماماً كم كانت تلك الرحلات «الراجلة» قريبة لأرواحنا وأحلامنا الغضة كما أعمارنا في ذلك الوقت.
قبل نهاية شهر رمضان المبارك لهذا العام قصدت تلك الأمكنة العريقة… لكن هذه المرة برفقة أولادي، كثيرون مثلي قصدوا الأمكنة ذاتها فالعيد على الأبواب ولابد من تأمين بعض الحاجات الضرورية لاستقباله كما كل عام.
وأنا هناك تذكرت صديقاتي وضحكاتنا وأيامنا الحلوة «فلا أجمل من أيام الدراسة والجامعة» لقد تركنا في كل زاوية ذكرى تشبه وجوهنا وهمومنا وأحلامنا.. لم أجد أي أثر يذكر لصديقات الأمس ولا لذكرياتنا معاً.. لكن كل شيء من حولي كان كما هو.. رائحة الأمكنة.. الأرصفة والشوارع.. المحلات وباعة البسطات.. كل شيء… كل شيء على حاله… فالأيام والسنون تقف عاجزة أمام دمشق الشام وروحها وسحرها وعبقها، قلت في نفسي ستمضي السنون مسرعة ويكبر الأولاد ويأتون إلى الأمكنة ذاتها فدمشق الشام ستبقى كما أراد لها اللـه عز وجل.. بيت كبير وقلب ينبض بالحياة والنور والإنسانية وسيبقى لها نورها وشمسها.. لها ماضيها وحاضرها ومستقبلها.. لها كلامها وحروفها.. لها عشاقها وجراحها وآلامها.. لها دروبها وأرصفتها وأحلامها.. لها بيوتها وحجارتها وورودها.. لها صوتها وموسيقاها وحنينها.. لها قاسيونها وأسواقها وحماماتها.. ولها أيضاً نبض مجد وحياة وأمل لا ينتهي.
دمشق الشام تحمل بين حروفها أسماء وذكريات وأحلاماً وغيوماً.. وما إن يلفظ اسمها حتى يغزو الفكر فيض من مشاعر دافئة وقوافل من قصائد الشعر.. فهي دمشق الشام ويليق لها وحدها اسمها ومكانها ومكانتها.
هي دمشق الشام.. ولها وحدها أن تبقى قلب الشرق النابض بالإنسانية والفكر والنور والعمل.
أذكر هذه الأبيات للشاعر العربي الكبير نزار قباني:
يا شامُ، إن جراحي لا ضفافَ لها
فمسّحي عن جبيني الحزنَ والتعبا
وأرجعيني إلى أسـوارِ مدرسـتي
وأرجعي الحبرَ والطبشورَ والكتبا
تلكَ الزواريبُ كم كنزٍ طمرتُ بها
وكم تركتُ عليها ذكرياتِ صـبا
خاتمة: لم تكن العودة إلى المنزل بتلك السهولة واليسر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن