سورية

تركيا دخلت فعلاً دوامة العنف ومراقبون يعتقدون أنها تجاوزت نقطة اللاعودة

 الوطن- وكالات : 

تتفاعل الأحداث في تركيا وسط تنامي حالة العنف المتبادل بين الجيش التركي المهاجم من جهة وعودة هجمات حزب العمال الكردستاني الانتحارية من جهة ثانية، الأمر الذي يعتبره مراقبون أنه أوصل البلاد إلى نقطة اللاعودة، ومن ثم بات الحديث عن سيناريوهات سياسية، كانتخابات مبكرة أو عودة الحديث عن إعادة بحث اتفاق الهدنة بين الدولة التركية والكردستاني، أمراً صعباً وأكثر تعقيداً. فبعد أسبوعين على هجوم سوروج الانتحاري الذي قلب المعطيات في تركيا لا شيء يبدو كفيلاً بوقف دوامة العنف الدامي بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، ما يضع أنصار الحوار في موقف يزداد صعوبة، بعد الهجوم الانتحاري الأحد بجرار مفخخ استهدف مركز شرطة في شرق البلاد وأدى إلى مقتل شخصين على الأقل وإصابة 31 بحسب مصدر رسمي تركي.
وتبنى حزب العمال الكردستاني الهجوم متحدثاً عن «عشرات الجنود القتلى»، على حين أشارت الصحف الموالية للحكومة إلى أن الانتحاري قد يكون فتى منخرطاً في حزب العمال الكردستاني.
وصباح أمس سجلت هجمات جديدة استهدف أحدها مستشفى عسكرياً في محافظة فان (شرق) لم يسفر عن ضحايا.
ووسط هذه السلسلة من الهجمات المتبادلة، يعتقد مراقبون أن تركيا تجاوزت نقطة اللاعودة، وبات الحديث عن الحوار أمراً أكثر صعوبة. فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان كرر تأكيد عزمه على المضي في الحملة التي أعلنها تحت مسمى «الحرب على الإرهاب» واستهدفت بالأساس حزب العمال الكردستاني وإن شملت تنظيم داعش الإرهابي.
وتركزت العمليات التركية حتى الآن بشكل أساسي على أهداف للكردستاني بعشرات الغارات على حين لم يعلن في المقابل سوى عن ثلاث غارات على مسلحي داعش الإرهابي في سورية.
ورداً على سؤال الصحفيين عن إمكانية «انفجار الأوضاع إقليمياً» بعد قطع الهدنة مع حزب العمال الكردستاني، أكد الرئيس التركي في رحلة عودته بالطائرة من الصين وإندونيسيا وفق وكالة فرانس برس للأنباء، أن «الذين يقولون ذلك يريدون أن توقف تركيا عملياتها العسكرية، لكنها ستواصلها ما دامت تعتبرها ضرورية».
وينفذ الطيران التركي يومياً غارات مكثفة على مواقع للمتمردين في جبال شمال العراق حيث يتمركزون منذ سنوات، وقتل ما لا يقل عن 260 مقاتلاً كردياً وأصيب نحو 400 في هذه الغارات حسب أنقرة.
وحسب وكالة «الأناضول»، فإن الغارات أرغمت قيادة حزب العمال الكردستاني على التوزع في ثلاث مجموعات، واحدة بقيت في جبال قنديل في العراق والثانية تراجعت إلى سورية والثالثة إلى إيران.
ووسط فوضى العنف، برزت معلومات حول سقوط ضحايا مدنيين جراء الغارات التركية في العراق، إذ أكدت مصادر كردية مقتل عشرة مدنيين السبت بينهم أطفال، على حين نفى الجيش التركي استهداف أي مناطق مأهولة بالسكان.
وأطلق أردوغان «حرباً على الإرهاب» تستهدف الكردستاني وداعش المتهم بالوقوف خلف العملية الانتحارية التي وقعت في 20 تموز الماضي في سوروج (جنوب) وأدت إلى مقتل 32 من الناشطين الشبان الأكراد.
وعلى إثر الهجوم رد حزب العمال الكردستاني بعمليات انتقامية استهدفت السلطات المركزية متهماً إياها بعدم حماية السكان، لتنهار هدنة كانت مطبقة بين الطرفين منذ 2013 في نزاع أوقع أكثر من أربعين ألف قتيل في ثلاثين عاماً.
في المقابل يبدو أن أردوغان نجح بشق الصف الكردي، بعد أن طالب رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني حزب العمال بإخراج قواعده من أراضيها لتفادي وقوع ضحايا مدنيين جراء الغارات التركية، على حين أكدت «وحدات حماية الشعب» التي تحارب تنظيم داعش الإرهابي في سورية، أنها ليست جزءاً مما يدور من أحداث واشتباكات.
أما عن أكراد تركيا فبعد أسبوعين من بدء هذه الحرب، يجد رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش المطالب بالحوار لحل النزاع التركي الكردي، نفسه في موقع سيئ.
فهو يعتبر عبر حزبه، الرابح الأكبر في الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع من حزيران الماضي حيث أدى فوزه بمقاعد في البرلمان إلى حرمان حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم، من الأكثرية المطلقة في البرلمان.
ويسعى أردوغان منذ ذلك الحين بلا كلل إلى إضعافه استعداداً لانتخابات مبكرة جديدة قد يدعو إليها على أمل استعادة ما خسر. وكتبت صحيفة «حرييت» الواسعة الانتشار الإثنين: «دميرتاش عالق بين حزب العدالة والتنمية وحزب العمال الكردستاني».
فبعد اتهام دميرتاش بضعف إدانته لهجمات التمرد وانتقاده على انخراط شقيقه في صفوف حزب العمال الكردستاني، قد يخسر السياسي الشاب أصوات الناخبين المعتدلين الذين انتخبوه.
وقد أكد الأحد أنه يريد «توضيح الأمور»، داعياً حزب العمال الكردستاني إلى وقف هجماته «على الفور».
وأضاف في مؤتمر صحفي: «للدولة الحق في الدفاع عن النفس»، مطالباً التمرد والدولة باستئناف الحوار لأن البلاد «تقترب سريعاً من عاصفة عنيفة».
واتهم دميرتاش أردوغان بأنه «يخدع» الغربيين عندما يقول لهم إنه يكافح داعش، على حين أهدافه تتعلق بشكل بحت بالسياسة الداخلية.
وفي هذا الإطار، اعتبر رئيس بلدية ولاية موغلا وعضو حزب الشعب الجمهوري المعارض «عثمان غورون» بأن دعم حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية، كان خطأً إستراتيجياً.
وفي آخر مواقف الأطراف السياسية التركية الأخرى، انتقد رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض «كمال كلتشدار أوغلو» الحكومة التركية بشأن «اتباعها سياسة الدم للفوز بالانتخابات».
وقال زعيم المعارضة التركية وفق وكالة «الأناضول»: «إن كان هناك نية باتباع سياسة الدم قبيل الانتخابات، وسيكون ثمن ذلك باهظًا»، مضيفاً: «أقول لكل الأمهات، أبناؤكم أبناؤنا فلا تسمحوا للسياسيين الذين لا يولون أهمية لمستقبل البلاد أن يمارسوا السياسة على حساب أبنائكم».
وفي حديثه لقناة «خبر تورك» أضاف كلتشدار أوغلو: «في الحقيقة إن داود أوغلو (رئيس الوزراء) يريد أن يشكل حكومة ائتلافية وأن يخلص البلاد من المشكلات التي تعيشها حالياً، إلا أن الجالس على كرسي الرئاسة لا يسمح بذلك، (في إشارة إلى الرئيس أردوغان)».
وادعى كلتشدار أوغلو أن «أردوغان هو من أهم المتسببين في إنهاء مسيرة السلام الداخلية في تركيا»، داعياً إياه أن «يخرج للشعب ويسوغ سبب معارضته لمسيرة السلام».
واتهم كلتشدار أوغلو الحكومة التركية بأنها تسعى إلى نيل أصوات المواطنين الأتراك بـ«ممارسة السياسة على دماء الشهداء، بعد فشلها في تشكيل حكومة بمفردها في الانتخابات الأخيرة»، واتباعها منطق «امنحوني أصواتكم لأخلصكم من الفوضى التي تشهدها البلاد»، معرباً عن رفضه الشديد لهذا الأمر.
جدير بالذكر أن حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه أحمد داود أوغلو لم يتمكن من الحصول على عدد من مقاعد البرلمان تؤهله إلى تشكيل حكومة بمفرده، وذلك في الانتخابات النيابية التي جرت في 7 حزيران الماضي، ويسعى داود أوغلو إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع أحد الأحزاب الثلاثة الأخرى، وفي حال إخفاقه في ذلك ستشهد تركيا انتخابات مبكرة نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل.
أما حزب الحركة القومية التركية، فيفضل اللجوء إلى انتخابات مبكرة في حال عدم التوصل إلى تفاهم بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري لتشكيل الحكومة الائتلافية.
ونقلت وكالة «ترك برس» عن مسؤولون في الحزب تأكيدهم أن قيادتهم تترقب سير المباحثات بين الحزبين، وأن ما أشيع في الآونة الأخيرة عن إجراء لقاءات بين قيادات حزب العدالة والتنمية والحركة القومية من أجل تشكيل حكومة تحالف بينهما، عارٍ من الصحة.
كما أفادوا بأن حزب الحركة القومية مستعد لفتح باب المناقشات مع حزب العدالة والتنمية، وذلك بعد إعلان الأخير قبوله لشروط الحركة القومية للرأي العام التركي والمتمثل بتخلي العدالة والتنمية عن فكرة المصالحة الوطنية التي يعتبرها حزب الحركة القومية بمسيرة الإهانة لسيادة الدولة التركية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن