ثقافة وفن

تكريم صاحبة «من قاسيون أطل يا وطني» … دلال الشمالي لـ«الوطن»: الشعب السوري محب للسلام وصامد في وجه الإرهاب

| وائل العدس – تصوير طارق السعدوني

انطلقت منها وبزغ نجمها فيها فأحبتها وعشقت أرضها وشعبها وجيشها وقائدها، واليوم، ترد سورية الوفاء بالوفاء وهي التي اعتادت تقدير الفنان اللبناني وتكريمه، فعادت لتكرمها بحفل كبير يليق بتاريخها العريق، وهي التي غنت يوماً «من قاسيون أطل يا وطني».
إنها القديرة دلال الشمالي التي كرمت على خشبة مسرح الأوبرا في دار الأسد للثقافة والفنون التي وقف وغنى عليها عمالقة الفن العربي، وهي من قال عنها الشاعر الكبير نزار قباني إنها «أروع من نطق الحرف وهي عالمة في مخارج الحروف وتشبيع الكلمة العربية».
فنانة أضاءت العصر الذهبي بصوتها الجميل الذي لم يعرف حدوداً للمساحات، وتربعت على عرش الأغنية في سورية في ستينيات القرن الماضي.
غنت لسورية الوطن وثورة آذار والبعث والجيش العربي السوري والشعب العربي السوري أكثر من 100 أغنية وطنية منها «من قاسيون أطل يا وطني» و«قلعة التحدي».
هجرت القصر وعادت لبيت الشعر في رائعتها «لهجر قصرك وارجع بيت الشعر» التي مازال المغنون يغنونها حتى اليوم.

برنامج الحفل
رغم الحضور القليل، إلا أنه تفاعل مع الأغنيات التي غنتها إيناس لطوف وشام كردي وسلام سليمان في الحفل الذي عنون بـ«احتفالية من قاسيون» مع الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو نزيه أسعد.
افتتحت سليمان الحفل بأغنيتي «من قاسيون» (كلمات خليل خوري وألحان سهيل عرفة) و«أحب فيك بسمتك» (كلمات أحمد قنوع وألحان زهير العيساوي).
وأطلت لطوف بثلاث أغنيات هي «يا موظف البريد» (كلمات قنوع وألحان العيساوي) و«عا لياني» (تأليف إبراهيم الزبيدي وإخراج عبد الفتاح سكر) و«دق المهباج يا حميد» (كلمات عساف طاهر وألحان جميل العاص).
ثم قدمت كردي أغنيتي «لهجر قصرك» (تأليف رفعت العاقل وألحان العيساوي) و«قلعة التحدي» (كلمات خليل خوري وألحان عرفة).
وختمت الشمالي الأمسية الغنائية بإطلاقها أحدث أغانيها بعنوان «حبيبتي سورية» (كلمات توفيق عنداني وألحان ماجد زين العابدين)، قبل أن تنضم إليها المطربات الثلاث اللواتي يغنين معاً «من قاسيون أطل يا وطني».

أقوى من رصاصهم
في تصريحه للصحفيين، قال معاون وزير الثقافة علي المبيض إن الفنانة الشمالي تذكرنا بالفن الجميل في وقت قلّ فيه الجمال، وتذكرنا بالأصالة في وقت كثرت فيه أصوات النشاز.
وأكد أن مشاركة الفنانات الشابات بتكريمها شبيه بسباق الجري التتابع عندما يسلم المتسابق الراية لزميله ليكمل المشوار.
وأشار إلى أن رسالة وزارة الثقافة تكمن في نشر الفن الأصيل وتكريم القامات الفنية والثقافية، موجهاً شكره للإعلام الذي اعتبره شريكاً إستراتيجياً.
ورداً على سؤال أجاب: قدر سورية ومنذ نشأتها خوض الأزمات الصعبة، لكن السوري كان ولا يزال يتعامل بإيجابية رغم بشاعة الحرب ونتائجها السيئة على الفرد والمجتمع. وحفلنا اليوم جزء من رسالة سورية المتجذرة في التاريخ بأنها مهد الديانات والحضارات ومستمرة في الحياة وبأن موسيقانا ستبقى أقوى من رصاصهم.

امتنان ومحبة
القديرة الشمالي عبرت في حديثها لـ«الوطن» عن سعادتها بهذا التكريم لأنه جاء من سورية، مؤكدة أنها جاءت إلى دمشق لتغني ولتقدم التهاني إلى سورية بانتصاراتها، متمنية أن يتم القضاء على القتلة الإرهابيين في كل شبر من سورية، معتبرة أن الشعب السوري محب للسلام وصامد بوجه الإرهاب.
وقالت: الجيش العربي السوري حرر الكثير من الأراضي ودحر الإرهاب ورفع الأعلام السورية، وفي انتصاره بتحرير كامل سورية سأزور دمشق وأغني للشعب والجيش والقائد.
وأكدت أن سورية ستبقى منتصرة، وجيشها سيبقى حامي العرض والأرض على كامل الأراضي العربية وليس في سورية فقط، لأنه الوحيد الذي حارب الإرهاب ولم يستكن للأعداء.
وبينت أنها جاءت إلى دمشق رغم القذائف التي يطلقها الإرهابيون من الغوطة الشرقية لتعبر عن تضامنها مع الشعب السوري.
ولم تنس الشمالي فضل سورية على مسيرتها الفنية، معبرة عن امتنانها وحبها الكبير لهذا البلد الذي رعاها وكرمها ومنحها الكثير.

احتفالية مميزة جداً
بدورها وصفت شام كردي الاحتفالية بـالمميزة جداً وخاصة بوجود الفنانة القديرة بيننا، قائلة في تصريح خاص لـ«الوطن»: في الوقت الذي اعتدنا فيه تكريم فنانينا بعد رحيلهم، تميز هذا الحفل بحضور صاحبة التكريم، وهذا ما أسعدني من قلبي.
وأضافت: كنا نسمع عنها من والدتي رحمها الله، وكنا نردد أغانيها منذ الصغر من دون أن نعرفها شخصياً، لكن بعد التعرف عليها اكتشفت كم هي إنسان محب ونقي وطيب ومعطاء، يتعامل مع الجميع بحب، الأمر الذي عزز حبي لها.
وعبرت كردي عن سعادتها بالغناء إلى جانب قامة فنية كبيرة، ذاكرة أن أهمية الأمسية تنبع من واجبنا تجاه كل قامة أعطتنا الكثير لنكمل المشوار من بعدها بأن نكرمها ونذّكر الأجيال القادمة بأغانيها، وهذه رسالتي منذ بداية مشواري الفني بتكريم العمالقة كربا الجمال وفايزة أحمد ومها الجابري، وأتممت سعادتي بالتكريم الكبير الذي منح لي بالغناء إلى جانب الفنانة الكبيرة دلال الشمالي.
وعن الأغنيتين اللتين قدمتهما، قالت: حاولت اختيار الأغنيات الأنسب لقدراتي الصوتية، فقدمتها بروحي وإحساسي الخاص من دون أن أفرغ الأغنية من جوهرها، وسعدت لأنني شدوت أغانيها بالشكل اللائق وكما تحب صاحبتها.
وختمت: الجميل في هذه الأمسية مشاركة ثلاثة أجيال لتكريم الجيل الأصيل، هذا الشيء نسج توليفة خاصة، في دليل على أن أغانيها أثرت في جميع الأجيال التي سمعتها وغنتها بإحساسها العالي.

على قدر المسؤولية
أما إيناس لطوف فأكدت لـ«الوطن» أن مشاركتها في تكريم الفنانة الكبيرة دلال الشمالي تعني لها الكثير على الصعيد الشخصي، متمنية أن تكون عند حسن ظنها وعلى قدر المسؤولية لأداء أجمل أغنياتها.
وقالت: شاركت في ثلاث أغنيات من الأغنيات التي حملت الطابع الشعبي الإيقاعي القريب من الناس، وحفلنا هذا عربون محبة ووفاء لمحبتها لبلدنا وللشعب السوري الذي احتضنها دوماً منذ أيام الصبا والنجاح حتى اليوم، وهي من الكبار الأصيلين الذين تركوا لنا إرثاً من الألحان والأغنيات الرائعة، ومهمتنا حالياً إيصالها لهذا الجيل بالقيمة نفسها التي تركتها بصوتها.
وأردفت: ليس بالغريب على بلدنا احتضان وتكريم الفنانين العرب، وأتمنى من القلب وبكل الحب أن يُحتضن الفنان السوري ويكرم ويقدر في حياته أيضاً، وكم سنكون مضرب مثل عند كل الشعوب والبلدان، لأن بلدنا وقيادتنا أكثر من اهتم بالفن والفنانين دوماً.
وختمت: كان الحفل موفقاً رغم كل المحاولات لتأجيله بسبب الظروف التي نمر بها حالياً في بلدنا الغالي، ولكنه أنجز وكانت السيدة دلال سعيدة وممتنة بالحفل الذي يليق بعفويتها ومحبتها، فمن قاسيون أطلت على وطننا وكقاسيون كانت اليوم ملكة تزهو شموخاً على مسرح الأوبرا.
مسيرة غنية

دلال الشمالي هي ابنة ضيعة درعون في جبل لبنان مولودة عام 1941 في عائلة تضم إلى جانبها آمال وأخوها أنطوان.
بدايتها كانت في تقليد فنانات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وأغاني الفلكلور اللبناني، ورغم معارضة الأهل في البداية إلا أن حلمها تحقق وأصبحت نجمة يشار لها في سورية ولبنان.
الاحتراف بداية كان عام 1960 حين غنت في إذاعة بيروت بعد أن اعتمدت كمطربة «يا مأمور اللي بالمطار اعطيني خط الإدارة» للملحن فريد غصن، تلتها أغنية لفيلمون وهبة «هيدا وهيدا» من كلمات عبد الجليل وهبة.
غنت القصائد الطويلة لكبار الشعراء كقصيدة «نجوى» من شعر عبد المنعم الرفاعي وألحان محمد عبد الوهاب.
تعاملت وغنت لكبار الملحنين أمثال فيلمون وهبي وحليم الرومي ونقولا المتني ومحمد كريم ونايف الخنسا ووديع عبده وجوزيف أيوب ومحمد الموجي وجميل العاص وروحي شاهين وتوفيق النمري وطالب قره غولي وجميل بشير وتوفيق الباشا وحسن عبد النبي وعلي إسماعيل وعبد العزيز محمود.
جاءت إلى سورية بعد قيام ثورة الثامن من آذار وكانت من أوائل من غنى للثورة والبعث وحرب تشرين التحريرية والحركة التصحيحية المجيدة.
في سورية غنت للراحلين سليم سروة وإبراهيم جودت ونمر كركي وزهير العيساوي وعبد الحليم بقدونس وسهيل عرفة الذي كان له النصيب الأكبر من أغانيها.
تعاملت مع الشعراء الكبار في سورية ولبنان منهم حسين حمزة ورفعت العاقل وتوفيق عنداني ونزار الحر وعبد الجليل وهبي وعمر حلبي وأحمد قنوع وأسعد السبعلي وزين شعيب وأسعد سابا وإبراهيم الزبيدي.
شاركت في فيلم «عاريات بلا خطيئة» مع فهد بلان وإغراء وإخراج كوستاف وغنت أغنيتها المعروفة «يا شمعة الدار تلالي»، كما شاركت بصوتها بفيلم «تحت سماء المدينة».
شاركت في حفلات أضواء المدينة إلى جانب كبار الفنانين العرب كوديع الصافي ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد ووردة الجزائرية وعبد الحليم حافظ وشريفة فاضل وسميرة توفيق وصباح.
خلال الحرب اللبنانية تمت دعوتها لأميركا لإقامة حفلات فيها فاستقرت هناك وقامت باستئجار ساعتين يومياً من التلفزيون الأميركي لتقدم فن العرب وأخبارهم.
أسست شركة إنتاج وأنتجت برنامج «مقهى الألحان» وشارك فيه العديد من المطربين العرب مثل محمد جمال وهدى سلطان وعبادي الجوهر وفاضل عواد وعبد اللـه بالخير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن