الأولى

واشنطن والرمق الأخير

| بيروت – محمد عبيد

حدثان بارزان حصلا في سورية مؤخراً شكلا إشارة نوعية في مسار المواجهة التي باتت مباشرة ومفتوحة بين الولايات المتحدة الأميركية من جانب وروسيا الاتحادية من جانب آخر. الأول تمثل في الغطاء العسكري ثم الحماية السياسية اللذين منحتهما موسكو للرد السوري الجوي والبري على الاعتداءات الإسرائيلية واللذين أديا إلى إسقاط طائرة الـ F16، كذلك إلى إغلاق مرافق حيوية في كيان العدو كمطار «بن غوريون» بعد سقوط أكثر من خمسة صواريخ أرض-أرض داخل هذا الكيان والتي ادعى جيش حربه لاحقاً مرورها فوق أراضيه وسقوطها في البحر.
والحدث الثاني برز من خلال نضوج القرار الروسي بتبني توجهات القيادة السورية بإطلاق معركة تحرير الغوطة الشرقية وكامل ريف دمشق بعدما أُجهِضَت المحاولات كافة على مدى سنين عديدة لإيجاد تسوية سياسية تحفظ المدنيين كما تؤدي إلى إخراج الإرهابيين التكفيريين وخصوصاً الأجانب من تلك المنطقة مما يُجَنِبُها أيضاً دماراً محتماً نتيجة تحصن هؤلاء الإرهابيين فيها والتمترس خلف أهلها الأبرياء.
اليوم، بات الكل يعلم أن الإدارة الأميركية تسعى إلى إطالة أمد الحرب العدوانية على سورية وفيها، وأن هذه الإدارة وأجهزتها الاستخباراتية والعسكرية لن توفر فرصة لمنع محور المقاومة المدعوم روسياً من الاحتفال بالنصر النهائي ومن ثم إعلان الهزيمة المدوية التي لحقت بمحور واشنطن وأدواته الإرهابية في دمشق وبغداد وبيروت وأيضاً في طهران وموسكو. وما العدوان الهمجي الذي شنته قوات الاحتلال الأميركية في سورية ضد قوات من الجيش العربي السوري ومستشارين روس وآخرين حلفاء لهم في شرق الفرات سوى رسالة دموية-سياسية بأن خطوطاً حمراً قد رسمتها واشنطن حول مناطق احتلالها ولن تسمح بتجاوزها ولو أدى ذلك إلى مواجهة مباشرة مع الند الروسي.
غير أن واشنطن لم تأخذ بالحسبان مستوى التحدي الروسي وحالة الاستنفار التي تعيشها قيادتها عسكرياً من خلال مشاركاتها الميدانية والفعالة في كل المعارك التي يخوضها الجيش العربي السوري وحلفاؤه، وأيضاً سياسياً عبر تفرغ الرئاسة الروسية ومعها وزارة الخارجية لاستجماع ما أمكن من الدعم الإقليمي والدولي لرؤيته للحل السياسي للأزمة في سورية وإغلاق الأبواب أمام محاولات واشنطن وأتباعها لتدويل هذه الأزمة ثم تقسيمها أو حتى توزيعها مراكز نفوذ للطامعين بموقعها الإستراتيجي وبثرواتها الطبيعية والأهم توطئة واقعها السياسي المفترض لاحقاً لملاقاة ما يسمى «صفقة القرن»! لذلك أتى الدعم الروسي للرد السوري في مواقع أكثر إيلاماً لواشنطن، فإخراج طيران العدو الإسرائيلي أو على الأقل تعطيل فعاليته كقوة حاسمة ضد سورية، أسقط ورقة التهديد الدائمة هذه من يد واشنطن، كذلك أدخل حلفاء سورية وفي مقدمهم إيران وحزب اللـه وقوى المقاومة الفلسطينية مجتمعين شريكاً لدمشق في أي مواجهة محتملة ضد كيان العدو الإسرائيلي، ومن ثم باتت واشنطن ومعها الكيان الإسرائيلي أمام معادلة ردع جديدة على حدود سورية مع هذا الكيان المحتل مشابهة لتلك القائمة على الحدود اللبنانية. كما أن تطهير الغوطة الشرقية امتداداً إلى ريف دمشق كاملاً سيؤدي حكماً إلى فقدان رعاة الإرهاب هناك الأميركي والسعودي والتركي والقطري ورقة ابتزاز عسكرية وأمنية دائمة للاستقرار الحذر الذي تعيشه العاصمة دمشق، ما يعني أيضاً إخراج العاصمة وإراحتها من ضغط تواصل إرهابيي جنوب سورية مع إرهابيي الريف-الغوطة والتفرغ بعد ذلك لتحرير الخط الذي يربط دمشق بالحدود الأردنية من جهة وكذلك بأطراف الجولان المحتل من جهة أخرى، ناهيك عن تسهيل حركة المواطنين السوريين باتجاه المحافظات كافة وأهمها الطريق الذي يربط دمشق بوسط سورية وشرقها وشمالها.
قد تكون إحدى أهم نتائج المواجهات الأخيرة أن الولايات المتحدة الأميركية وجدت أنه لم يعد بإمكانها الاتكال على الحلفاء والأتباع والمجموعات الإرهابية التكفيرية لإدارة العدوان على محور المقاومة وروسيا انطلاقاً من الأراضي السورية، بل صارت ملزمة بالتدخل المباشر عبر قواتها المحتلة لبعض الأراضي السورية وهو أمر سيحتم عليها دفع أثمان كي تتمكن من البقاء على هذه الأراضي، مع الإشارة إلى أنها لم تتمكن حتى الآن من مداواة نفسها من تجاربها الاحتلالية المماثلة في بيروت وبغداد!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن