ثقافة وفن

ألفة الإدلبي… حكاية دمشق .. المرأة حين تمتلك الالتزام والصدق سوف تُنشئ رجلاً ومجتمعاً ووطناً

| سوسن صيداوي

الموهبة وحدها لا تكفي، بل لابد من صقلها بالمتابعة والمراس. عندما يكون الرجل حرا، تكون المرأة حرة، وعندما يكون الرجل متعلما، تكون المرأة متعلمة. القصة العادية التي تتحدث عن أمور اعتيادية لا يجدر بها أن تصبح أدبا عالميا. الغرب لا يستورد منا إلا ما يفتقده. على المرأة أبدا أن تكون صادقة وملتزمة. نقاط رائعة ومهمة ولها بالغ التأثير في العقول والنفوس ومن ثم في المجتمعات، هذه العبارات أُثيرت في الندوة التي أُقيمت برعاية وزارة الثقافة، ندوة الأربعاء الثقافية الشهرية «سوريات صنعن المجد» بعنوان: «ألفة الإدلبي.. حكاية دمشق» وذلك في قاعة المحاضرات بمكتبة الأسد الوطنية بدمشق. حيث تضمنت الندوة التي أدارها د. إسماعيل مروة عدة محاور، الأول «الشام والمرأة في قصص ألفة الإدلبي» الذي خلاله تحدثت الدكتورة سحر شبيب عن أسلوب الأديبة البالغ العمق في نقل صورة حقيقية وصادقة عن القضايا الوطنية وقضايا المجتمع الدمشقي بعاداته وتقاليده وبتفكير امرأته ومعاناتها. بينما جاء المحور الثاني بعنوان: «ألفة الإدلبي وعالمها الروائي» الذي تحدث خلاله الأستاذ أنس تللو عن مشوار الأديبة وكيف صقلت موهبتها وانطلقت عبر فضاء وطنها نحو العالمية. على حين تحدث مدير الندوة د. إسماعيل مروة عن «الجانب القومي في أدب ألفة الأدلبي» فتناول إسهامها في الكتابة عن البلدان العربية، واختار قصة «ماتت قريرة العين» التي تتحدث عن الثورة الجزائرية والاحتلال الفرنسي.

الشام والمرأة في قصص ألفة الإدلبي

أكدت الدكتورة سحر شبيب أنّ الأديبة ألفة نحجت وحضرت عالميا لأنها انطلقت من بيئتها، ومن قضايا وطنها متمسكة بصدقها والتزامها، متابعة «ولأنها انطلقت من رحم الوطن، حافظت على خصائص هذا الوطن، واستطاعت بنزعتها الإنسانية أن تنقل قضايا إنسانية يحتاج إلى معرفتها كل إنسان في كل الشعوب العالم، الأمر الذي دفعها إلى اختراق فضاء الوطن إلى كل العالم، ومازالت كتابتها تُقرأ حتى اللحظة، لأنها كاتبة صادقة وملتزمة ببيئتها وبقضايا بيئتها، وبمشاكل بيئتها، لهذا تنطلق من نزعة إنسانية، وبرأيي المرأة تحتاج دائما إلى الالتزام والصدق- وهي صفات أديبتنا- لأنّ المرأة حين تكون بهذه الصفات سوف تُنشئ رجلا بهذه الصفات، ومن ثم مجتمع ووطن». هذا وأضافت د. شبيب إن أديبتنا تفردت في خاصتين لعل الكثيرين من الكتاب العرب والسوريين لم ينتبه إليهما ولم يراعهما. في رسم صورة المرأة وفي طريقة معالجة قضاياها، قائلة: «الخاصية الأولى أنها حافظت على قدسية المرأة في كل صورها وفي جميع المواقف والأحداث التي مرّت بها، ومهما كان مستوى ثقافتها أو وضعها الاجتماعي أو الاقتصادي، ومهما كانت مصائبها، فالمرأة في أعمال كاتبتنا نجدها صابرة حكيمة ومحبة ومعطاء وشريفة وعفيفة، مهما كانت أمراضها النفسية «غيور حقود، طماعة…»، ومهما تنوعت طبائع النساء في أعمالها فجميع النساء يحافظن على كرامتهن حتى الجاهلة والشريرة.

أما الخاصة الثانية التي تميزت بها كاتبتنا فهي ربط قضايا المرأة بقضية الوطن وتصعيد مشاكل المرأة والنظر إليها من خلال انعكاساتها المتصلة بمصير الوطن، فقضايا المرأة ليست قضايا اجتماعية وحسب لأنها شديدة الارتباط بقضية كبرى أدركت الكاتبة أهميتها وخطورة تفاعلها مع قضايا وطنية وسياسية في المجتمع، ولنا في روايتها الشهيرة «دمشق يا بسمة الحزن» نموذج صالح لإثبات ذلك».

هذا وأشارت د. سحر إلى أنها تعمّقت في أعمال الكاتبة ألفة الإدلبي، وصاحبتها لثلاثة أعوام تعرّفت خلالها عليها كأديبة وإنسان، وتتابع في هذا المكان «من يقوم بدراسة كل أعمالها ويتابع مقالاتها وتصريحاتها، يدرك وجهة نظر الكاتبة في أنها تنطلق من معادلة تفترضها لبناء المجتمع الذي لا يمكن قيامه إلا بالاستناد إلى علاقة تشابكية بين المرأة والرجل ومن هنا فإن حرية المرأة تعني حرية الرجل وما قد يلحق بها من ظلم أو حرمان سوف يلحق بالرجل وإن كان سببا فيه، وبناء عليه نجد الكاتبة حريصة على النواحي التالية: على أهمية العلاقة الإيجابية بين الرجل والمرأة، وعلى قدسية المرأة في أعمالها لأنها تعني قدسية الأسرة، تحمل المرأة بطلة قصصها مسؤولية التعقل والحكمة في تجاوز محنها ومصائبها من منطلق ثقتها بالمرأة واحترامها لكيانها لكونها ركيزة مشاركة في بناء المجتمع، تؤكد حق المرأة في التعليم لأن المرأة المتعلمة تعني رجلا متعلما والعكس صحيح، تحرّض عاطفة الحب لدى المرأة لأنها حين تنشر حبها سوف يشمل كل من يحيط بها ويتعمم في المجتمع، لهذا كله نجدها لم تدع إلى ثورة تهدم أسرة أو تفكك مجتمعا، بل نجدها تحصن نساء قصصها فلا يتهاوين إلى انحراف يجلب العار والخزي لأسرتها وأهلها».

ألفة الإدلبي وعالمها الروائي

من جانبه وخلال مداخلته أكد الأستاذ أنس تللو أن رواية المرأة السورية تعاني في الوقت الحالي من الفجاجة والضحالة، مشددا على أنه لأمر خاطئ بأن يظنّ الموهوب أنه قادر على الكتابة- وخاصة الرواية- من دون أن يصقل موهبته، فالأديبة ألفة كان مشوارها طويلا في المطالعة التي صقلت موهبتها، متابعا «يفخر العديد من الأدباء والشعراء بأنهم قد قرضوا الشعر صغارا؛ أو أنهم قد كتبوا القصة وهم أطفال… على حين تفخر ألفة الإدلبي بأنها قد بدأت بالكتابة كبيرة لكنها سابقت الأدباء الكبار فسبقت الكثيرين منهم.. ألفة الإدلبي أم لثلاثة أولاد، وسيدة منزل ليس لها هم في الدنيا سوى زوجها وبيتها وأولادها، إلا أن زوجها كان يثق بموهبتها ثقة كبيرة جدا، وتقول بإحدى المقابلات وبعد أن غدت أديبة عظيمة، إنها لم تكن تتوقع أبدا أنها ستصبح يوما ما أديبة كبيرة أو أنها سوف تجلس في هذا المكان المرموق.. تقول إنها في عام سبعة وأربعين وتسعمئة وألف وقد كان عمرها خمسة وثلاثين عاما، سمعت عن طريق المصادفة في إذاعة لندن إعلانا لمسابقة أدبية لأفضل قصة في الوطن العربي بشكل عابر، فقال لها زوجها الدكتور حمدي الإدلبي «لماذا لا تتقدمين بقصة إلى هذه المسابقة»، فضحكت ألفة وقالت له «لا أظن أن هذه المسابقة يمكن أن أفوز بها»؛ فقال لها «يمكن أن تجربي، وقد يكون عدد المتقدمين قليلا جدا وربما يكون من نصيبك أن تنجحي» فكرت قليلا وشطّ بها الخيال فرجعت بها الذكرى إلى خمس وعشرين سنة خلت، ولاحت لها صورة أبيها وهو يقرأ على مسامعها نصوصا أدبية راقية وهي لم تتجاوز الثانية عشرة من العمر، وكان يقدم لها الهدايا لكي يحثها على حفظ بعض أشعار المعلقات وبعض الشعر العربي القديم، وتذكرت أيضا أن خالها الأديب كاظم الداغستاني كان دوما يحثها على قراءة أدب الدكتور طه حسين، وكان يطلعها على معارك النقد الأدبي التي كانت تجري على صفحات مجلات عريقة في الأدب «كالرسالة والمقتطف».. وكان يدفعها منذ صغرها إلى كتابة القصة القصيرة». ويضيف أستاذ تللو كيف أن كاتبتنا في عام 1932 كانت قد تعرضت لوعكة صحية أقعدتها في المنزل مدة عام كامل، وكيف استغلت وقتها في المطالعة،فقد قرأت جميع مؤلفات محمود تيمور، وتوفيق الحكيم، وإبراهيم عبد القادر المازني، وطه حسين، وميخائيل نعيمة، ومارون عبود ومعروف الأرناؤوط وغيرهم، وفي العام نفسه قرأت جبران كله، وجزءا كبيرا من شكسبير ودانتي… وفي النهاية وافقت ألفة على الاشتراك بالمسابقة وكتبت قصة عنوانها «القرار الأخير» وكانت النتيجة أنها فازت بجائزة مسابقة أفضل قصة في الوطن العربي، بعدها بدأ أدبها بالتدفق والنشر فانهالت على المكتبة العربية بمؤلفاتها التي تجاوز عددها الخمسين بين قصة ورواية منها: وداعا يا دمشق، عصي الدمع، دمشق يا بسمة الحزن، نفحات دمشقية، وداع الأحبة. كما ترجم أدبها إلى خمس عشرة لغة أجنبية وهي: الإنكيزية، والالمانية، والفرنسية، والروسية، والهنغارية، والهولندية، والسويسرية، والاسبانية، والصينية، والإيطالية، والبرتغالية، والتركية والفارسية، والبلغارية.

وأشار تللو إلى نقطة مهمة جدا ومفادها أن القصة العادية التي تتحدث عن أمور اعتيادية لا يجدر بها أن تصبح أدبا عالميا، قائلاً: «قصة داخلية تبقى داخلية ولا تنشر، هناك أسباب وعوامل ينبغي أن تتوافر لكي يصبح الأدب عالميا، وعادة ما يكون الأدب العالمي هو الذي ينشر أدبا إنسانيا يعالج قضايا إنسانية عامة تهم الإنسان في كل مكان. العالم الغربي لا يستورد من عندنا أمرا إلا إذا كان في حاجة إليه فهو لا يستورد إلا ما يفتقده. وهناك أيضا من بين تلك الأسباب التي تجعل الأدب عالميا سبب يدعى «التفرد أو اللون المحلي»… وهذا السبب قد يكون ثانويا إلى حد ما، لكنه عند ألفة الإدلبي كان سببا قويا جدا، فضلا عن براعتها الفائقة في السبك اللغوي المتين المذهل الذي يتفتق بوضوح عن حصيلة لغوية كبيرة جدا تمثلتها الأديبة الكبيرة من خلال مطالعاتها الغنية للأدبين العربي والعالمي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن