من دفتر الوطن

المحبة!

| عصام داري 

العزف على وتر الحب يعطي للحياة معانيها الجميلة الساحرة، ينقلنا الحب إلى عوالم خلابة وكواكب متعددة الألوان والأطياف، يرسم الحب لوحة لا يراها إلا من ملأ الحب نفسه وروحه وكيانه، و.. ربما نقطف من أحلامنا الحلوة، بعضاً من حكاية حب متخيلة عندما تغرب شمس الحب التي سطعت لسنوات طويلة.
لكن تلك الشمس لا يمكن أن تغرب، أو تغيب إلى الأبد، يظل شعاعها يمد القلب بالدفء والحنين، والذكريات الحلوة، ونكتشف، ربما للمرة الألف، أننا نحتاج إلى أكبر وأوسع وأرحب من الحب، إنها المحبة التي تغمر البشر بالدفء والنور.
المحبة – كما يقول جبران خليل جبران – لا تأخذ إلا ذاتها ولا تعطي إلا ذاتها لأنها «مكتفية بالمحبة»، وهي تكفي البشرية جمعاء التي انشغلت بقشور هذه الدنيا، فراحت تغرق في دوامة الأحقاد والكراهية والبغضاء، متناسية بحار الحب وجداول البهجة.
المحبة أنشودة بديعة شجية اللحن، ولوحة مشغولة بكل عناصر الجمال في هذا الكون الفسيح، من خيوط النور المنبعثة من شمسنا عندما تتلاقى مع صفحة مياه البحر فترتسم على صفحته الذهبية صورة بهية خلابة بالألوان تجعلنا نتأمل في هذا الكون البديع.
هي الكأس التي تسكر، والسيمفونية التي تعزفها أوركسترا الطبيعة بكامل أعضائها، من زقزقة عصافير وهديل حمام، إلى خرير جداول وشلالات يصاحبها حفيف أوراق الشجر مع ترنيم ينبعث من كل مكان، لتكتمل اللوحة بأبعادها الثلاثة.
عالمنا جميل وعصي عن الوصف ولا يستطيع أحد أن يختزل هذا الجمال بكلمات أو بمقالات وقصائد، عالمنا جميل لمن يعرف معنى الجمال والحب ويسكن صدره قلب إنسان، ويفكر بعقله وليس بغريزته، ويحمل أفكار الملائكة والقديسين، وليس الأبالسة والشياطين.
عالمنا الجميل هذا تختزله كلمة واحدة هي المحبة، فمتى نعرف قيمة ومعنى الجمال والحب والمحبة التي لا تأخذ ولا تعطي إلا ذاتها؟
قلمي مكبل بأغلال ثقيلة فأنا عاجز عن إيجاد الحروف التي تخولني العبور إلى عالم من حلم ومملكة من سحر وجمال، أنا كسيح في حضرة الطبيعة بحسنها بغرائبها وتنوعها وتكويناتها وألوانها، بين بحار وأنهار وجداول، وبين جبال وسهول ووديان، بين غابات وصحارى، هذا التلوين هو سر جمال كوكبنا الذي نغتاله مع كل شروق وغروب الشمس.
لكنني في كل أيامي التي صارت سنوات وعقوداً، كنت أبحث عن الجمال والخيال، واكتشفت أن الروعة هي الحياة لمن يفك شفرتها ويحل ألغازها ويعرف كيف يفجر ينابيع الفرح لتنساب شلالات السعادة والحبور.
وتأكدت أن الحياة مملة وأشبه بصحراء مترامية الأطراف لمن اختار صومعة منعزلة في كهف غائر في جبل مهجور غير مرئي على أي خريطة.
ومع أنني أعرف أن ملامح الحزن مرسومة على مساحة الوطن، لكن هذا لا يعني الاستسلام ورفع الرايات البيض، لأن الأحزان تستوطن من نسي صناعة الفرح، ومن وقف يترقب الآتي بلا أي مقاومة، والكآبة تفرح عندما تجد نفوساً أتعبها المشوار وظنت أنها وصلت إلى النهاية.
قد أختصر الحكاية بكلمة تستوعب كل الأبجديات والآمال البشرية، إنها المحبة التي نفتقدها وآن لنا أن نستعيدها في عالم متوحش غادر قاسٍ وشرس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن