ثقافة وفن

عسل الملكات .. عواء ذئب وخطاب إنسان

| آلاء جمعة

«لا أعدكم بقراءة ممتعة على ضوء المدفأة، لا أعدكم بنهايات سعيدة كل ما في الأمر أني ألقيت حجراً ثقيلاً في الماء الراكد». بهذه العبارة استهل الشاعر والروائي ماجد أبو غوش روايته التي يفوح من بين صفحاتها رائحة مدن السواحل والبرتقال اليافوي، الفطور المقدسي، صحن الفول بالزيت، رائحة جلد المقاوم والمقاومة.

رائحة كل فلسطيني كُتب له أن يكون أبياً ثورياً يواجه بأسلحته الضئيلة غولاً لا يعرف الحرمة ولا الرحمة يستبيح الأرض والوطن والعرض بلا هوادة، فينزل بالأبرياء شريعة الحرب التي لا تفتأ تتلذذ وفقاً لسننها المعهودة باقتناص قلوب العشاق، وتتعمد إفساد بريق حبهما وأحلامهما، تلوكهما بوحشية فتخرج الأول وحيداً حزيناً يذوب على مهل وتبتلع الآخر وتغيبه بعيداً في أحشائها مدى الحياة، تتجلى هذه المعاناة في روايتنا الفلسطينية الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب 2017 وتمدد جسدها على 142 صفحة لتحكي حكاية (الذيب وغزالة) وما مر بحياتهما من حب وحزن ومن ثم فراق. «أنا لم أر الذئب من قبل في مثل هذه الحالة، أنمناه على المقعد الطويل أنا وأمي بعد أن خلعنا عنه المعطف والحذاء، أحضرت والدتي غطاء وغطته به، خرجنا وأغلقنا عليه غرفة الجلوس، لما نهضنا من النوم كان الذئب قد غادر البيت، على طرف المقعد ترك رسالة لي:
أنا ذئب يتيم فقير/ طريقي كمائن/ ودمي مستباح/ ليس في ليلي/ نجوم ولا حتى مصباح زيت!/ طريقي موحش مقفر/ ليس فيه عشب ولا ماء/ وأعمار الذئاب قصيرة/ وأنت غزالة!/ فقط كوني بخير/ حتى أكون.
يسمعنا الكاتب عواء الذيب المخنوق ويعرفنا بطولاته ومعاناته وعذاباته التي تعرض لها في سجن الرملة من عزل وصلب ومنع من النوم، طوال مئة يوم ويوم، يخاطب إنسانيتنا وإنسانية العالم جمعاء، فالذيب يستنسخ نفسه في كل الحروب، ويطلق عواءه في رحاب الكون كنوع من التفريج الذاتي والجمعي لمصير إنسان ووطن كُتب له أن يقبع في قمقمة الوجود، يستصرخ طالباً رد كرامته والاعتراف بوجوده، بإنسانيته، بأحقيته في الحياة والعيش الهانئ يرعى بذور حبه لتثمر عائلة يرتاح إليها وأولاداً يهبون حياته قيمة وفرحاً ودفئاً.
تلك هي الأطروحة المركزية لهذا العمل، هي شحنة ذاتية وجدانية ووجودية فلسطينية كامنة في كل عربي وفلسطيني على السواء الذي عانى ما عاناه وما زال يعاني إلى يومنا هذا، تستتبع رواية (عسل الملكات) سير أترابها لتكون تلك الحنجرة المخنوقة التي يتعهد الأدباء دوماً بإماطة اللثام عنها وإطلاق عويلها لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
أختم لكم بمشهد مرير يعكس رؤية الفلسطيني الاختزالية لوطنه، فيراه في كل التفاصيل التي ترتبط به وبترابه المدمى.
«حدثوني مرة عن لاجئ من يافا يعيش في مخيم اليرموك، حصل على حبة برتقال من يافا، حملها بمحبة زائدة، لم يستطع أن يغرس السكينة في قلب البرتقالة، حملها معه إلى غرفة النوم، حضنها باكياً، غفا وهو يغني ليافا».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن