من دفتر الوطن

أشنع الفضائح

| حسن م. يوسف 

«إن الناس الذين نحاربهم اليوم (القاعدة) مولناهم منذ عشرين سنة، لنقاتل الاتحاد السوفييتي، ونحن الآن ندفع ثمن الوقت الضائع».
كنت أظن أن هذه العبارة التي قالتها هيلاري كلينتون، حرفياً، في شهادتها أمام الكونغرس الأميركي عام 2009 ستكون أشنع فضيحة في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين.
لكن فضيحة كلينتون تراجعت إلى المرتبة الثانية عندما اعترف المجرم حمد بن جاسم الإسخريوطي (رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق) بأن قطر والسعودية قد تشاركتا لصيد سورية: «إحنا تهاوشنا على الصيدة، وفلتت الصيدة وإحنا قاعدين نتهاوش عليها».
غير أن الفضيحتين السابقتين، تخلتا عن المرتبة الأولى في الشناعة والفظاعة للتصريح الذي أدلى به الأمير محمد بن سلمان لصحيفة واشنطن بوست، والذي اعترف فيه أن بلاده استثمرت في نشر الوهابية في العالم الإسلامي بطلب من الغرب لوقف المد الشيوعي أيام الاتحاد السوفييتي خلال فترة الحرب الباردة، «نشرنا الوهابية بطلب من الحلفاء، ودورها لا يتعدى أكثر من كونها أداة من أدوات الحرب الباردة»! والحق أن هذا التصريح يشكل أكبر فضيحة منذ تأسيس «مملكة الرمال» السعودية، لأنه يتضمن اعترافاً صريحاً بأن الوهابية هي مشروع سياسي نشره السعوديون في العالم الإسلامي تنفيذاً لأوامر حلفائهم الغربيين بغية وقف المد الشيوعي في تلك البلدان. وهذا يعني أن حكام السعودية وحلفاءهم يتحملون مسؤولية كل الجرائم التي اقترفها التكفيريون الوهابيون المتطرفون في سورية، والعراق، وليبيا، والسودان، ومصر، وتونس، والجزائر، واليمن، وفي أربع جهات العالم.
لقد أراد محمد بن سلمان أن يبرئ عائلته السعودية من مسؤولية ما اقترفه التكفيريون من جرائم، بحق أميركا وحلفائها، لأن السعودية أطلقت وحش الوهابية «بطلب من الحلفاء» لكنه بتصريحه هذا قدم دليلاً قاطعاً على ضلوعه وضلوع حلفائه في التحريض على الإجرام التكفيري ومساعدة المجرمين أبناء الظلام!
شكراً للظروف، لأنها جعلت أفراد العصابة الواحدة يختلفون ويتبادلون الاتهامات فـ «عندما يختلف اللصوص يظهر المسروق!».
لا أخفيكم أنني لم أصدق عيني عندما قرأت لأول مرة عن إعلان ترامب نيته الخروج العاجل من سورية. رحت أفكر بمن سيتضررون من هذا الأمر فكان أول من خطروا ببالي هم السوريين الأكراد الذين ضللتهم قيادتهم بسبب سذاجتها السياسية وقراءتها الخاطئة للواقع.
قبل نحو سبعة أشهر كتبت في هذا الركن بالذات مقالاً بعنوان «متى نعي حقائق الحياة؟» حذرت فيه الأكراد القائمين على الإدارة الذاتية في الشمال السوري من العمل ضد وطنهم اعتماداً على دعم الأميركيين لهم، إذ قلت بالحرف الواحد إن «الأميركيين مشهورون بالتخلي عن «أصدقائهم»، فقد سبق لأميركا أن استغلت الأكراد في عهد مصطفى البرزاني، لكنها عندما رتبت الاتفاق بين شاه إيران وصدام حسين، تركت الأكراد مكشوفين تحت رحمة صدام، وعندما استنجد البرزاني الأب بأميركا صائحاً: «لماذا تخليتم عنا فنحن حلفاؤكم؟»، أجابه كيسنجر: «على الأكراد أن يعوا حقائق الحياة، أن أميركا دولة عظمى لها مصالحها وليست جمعية خيرية».
وقبل أسبوع من الآن كتبت على صفحتي في الفيس بوك: «إلى إخوتي الأكراد، لا تشربوا السم التركي، اتكالاً على الترياق الأميركي».
أرجو ألا يتبادر لذهن أحد أنني أورد هذا الكلام من باب الشماتة لا سمح الله، فالمكون الكردي السوري له تاريخ وطني عريق ومن يشك بذلك فليسأل صلاح الدين، وإبراهيم هنانو، وخالد بكداش.
صحيح أنني لا أريد من الدولة السورية أن تسامح من قادوا انحراف بعض الفصائل الكردية السورية عن الخط الوطني، وولغوا في الدم السوري، لكنني أتمنى على الدولة السورية أن تفتح صدرها للبسطاء المغرر بهم من أبنائها الأكراد فالجرح بين الأهل يجب ألا يضيق وحسب، بل يجب أن يندمل أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن