قضايا وآراء

قمتا أنقرة وباريس ووراثة ملف شرق سورية

| أنس وهيب الكردي

بغض النظر عما إذا كانت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول الانسحاب من سورية «قريباً جداً»، قد جاءت في سياق الصراع الداخلي فيما بينه وبين آخر قلاع «المؤسسة»: وزارة الدفاع «البنتاغون»، أو أنها تعبر عن إستراتيجية أميركية جديدة حيال الشرق الأوسط، فإن تلك التصريحات وضعت مصير الشرق السوري على نار ساخنة بعد أن كان الجميع يعتقد بإمكانية تأجيل البحث فيه حتى تقتنع واشنطن أن أكلاف البقاء على أراضيه أكبر من أي فوائد محتملة.
ليس أدل على وجود الصراع ما بين البيت الأبيض والمؤسسة الأميركية حول السياسة بشأن سورية، من تعزيز البنتاغون للمواقع الأميركية في سورية، وافتتاحه قاعدة جديدة، ورفعه الرهان حول منبج، وذلك بعد أيام على تصريحات ترامب حول الانسحاب من سورية.
لا شك أن زعماء الدول الضامنة لعميلة أستانا كانوا يعدون العدة وهم يتوجهون إلى العاصمة التركية أنقرة، للبحث في خرائط السيطرة في الشمال السوري تحديداً منبج، الطبقة، تل رفعت، القامشلي وتل أبيض، ولم يخطر في بال أحد منهم التطرق إلى مصير مواقع تقع إلى الجنوب مثل شرق دير الزور أو الرقة، وبعد تصريحات ترامب باتوا أمام واقع جديد يصب في صالحهم.
تجد طهران نفسها في موقع ممتاز لتكون المستفيد الأكبر من خروج الأميركيين من شرق سورية، ليس فقط لأن الوجود الأميركي هناك موجه ضدها ويستهدف احتواء نفوذها في الهلال الخصيب فحسب، بل أيضاً لأنها ستتمكن من التفرغ للضغط على الوجود الأميركي وسط وغرب العراق، وبالتالي ستحرم واشنطن من إدامة نفوذها في بلاد الرافدين، وأفضلية إيران في الصراع من أجل شرق سورية، تنبع من أن الحرس الثوري الإيراني قد نسج تحالفاً ميدانياً واسعاً لمجموعات من أفغانستان والعراق ولبنان وسورية موزعاً ما بين العراق وسورية، وله وجود قوي وفعال في صحراء الأنبار العراقية والبادية والجزيرة السوريتين خصوصاً مدينتي الميادين والبوكمال، لذلك، يتوقع أن يكون الرئيس الإيراني حسن روحاني أقل ميلاً للتنازل في مفاوضات أنقرة مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان.
بالمثل، تجد روسيا في موقع جيد للاستفادة من الخروج الأميركي من شرق سورية، فهي أسست لوجود في دير الزور وتدمر، كما أنها تتمتع بعلاقة، وإن كانت صعبة، مع «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تفرض سيطرتها عبر «قوات سورية الديمقراطية – قسد» على الشرق السوري، تحت مظلة «التحالف الدولي ضد تنظيم داعش»، الذي تقوده واشنطن، وستضعف مواقعه بشدة في سورية بخروج القوات الأميركية منها، والأرجح أن موسكو لن تعدم الوسائل من أجل رفع مستوى الضغوط على الوجود الأميركي شرقي سورية، لتسريع انسحاب القوات الأميركية وحسم الجدل ما بين ترامب وبقية المؤسسة الأميركية.
على المدى المتوسط، ستجد أنقرة نفسها سعيدة بخروج القوات الأميركية من شرق وشمال سورية، وتتركز مصالح أنقرة الإستراتيجية بضمان الأمن القومي عبر فصم العلاقة القائمة ما بين الولايات المتحدة و«وحدات حماية الشعب» وإعادة تأسيس المنطقة الآمنة، بحسب اتفاق أضنة، على طول الحدود السورية التركية، إذا ما خرجت القوات الأميركية من سورية فسيصب ذلك في صالح تحقيق مصالح الأمن القومي التركي، لكن تركيا ستجد نفسها في مواجهة شريكتيها بعملية أستانا: روسيا أو إيران، وسيصبح موقفها أصعب إذا ما قررت هاتان الدولتان التحالف معاً بهدف إخراج القوات التركية من شمال حلب وإدلب، لذلك، سيحرص أردوغان على دفع نظيره الإيراني والروسي خلال قمة أنقرة على تبني إستراتيجية موحدة حيال شرق سورية.
بالتزامن مع قمة أنقرة ستنعقد قمة في باريس ما بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وسيسعى خلالها الجانبان إلى اجتراح سياسة مشتركة حيال شرق سورية وطرحها أمام ترامب لعله يقتنع بها، مع التماس دعم بريطاني لها إضافة إلى دعم البنتاغون، وإذا فشلا فالأرجح أن يقترحا خطة بديلة لبقاء التحالف الدولي في شرق سورية، مع تسلم قوات فرنسية وبريطانية مواقع القوات الأميركية المنسحبة، على أن يوفر الأميركيون الموجودون في العراق مظلة لقوات التحالف في الشرق السوري.
كما هو مخطط، سيبحث الزعماء في قمة أنقرة مستقبل جنوب سورية وإدلب تل رفعت ومنبج، والعملية السياسية، لكنهم سيتطرقون أيضاً إلى الشرق السوري الذي جعلت تصريحات ترامب مصيره على نار حامية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن