قضايا وآراء

حرب باردة جديدة

| تحسين الحلبي

إذا كان ولي عهد السعودية محمد بن سلمان ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يصران على بقاء الوحدات العسكرية الأميركية في شمال سورية والعمل على منع تنفيذ ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رغبة «بسحبها في زمن قريب»، فهذا يعني أنهما يريدان من ترامب شن حرب أميركية مباشرة على إيران بقوات أميركية وليس بقوات إسرائيلية أو سعودية.
طالب الاثنان بعدم سحب القوات لكن ترامب أوضح لمحمد بن سلمان بأنه «على استعداد لعدم سحبها إذا دفعت السعودية ثمن بقائها وثمن استخدامها» وهذا يعني أن ترامب يسعى إلى تدشين سياسة يعتمد فيها على القوى البشرية العسكرية التي تجندها السعودية لشن الحروب التي تخدم مصالح الولايات المتحدة وليس القيام باستخدام قواته الأميركية لتحقيق هذه المصالح خصوصاً بعد فشل واستنزاف القوات العسكرية الأميركية في أفغانستان خلال 17 عاماً.
لاحظ الجميع أن ترامب ترك السعودية وحلفاءها في الحرب على اليمن وحدهم ولم يشارك بقوة عسكرية على أرض اليمن، وتحولت الحرب على اليمن إلى حرب مرشحة للاستمرار سنوات أخرى من دون أن تحقق السعودية أهدافها فيها، على حين أن واشنطن ما تزال تستفيد من هذه الحرب في بيع الأسلحة للسعودية وابتزاز أموالها في مرحلة يستعد فيها ترامب لتدشين حرب باردة جديدة يحاصر فيها روسيا ويفرض العقوبات عليها ويعمل على حشد دول أخرى للانضمام إليه في هذه العقوبات على غرار مرحلة الحرب الباردة في عهد الكتلتين السوفيتية والأميركية
لا أحد يستبعد أن تكون رئيسة حكومة بريطانيا تيريزا ماي قد أعدت اتهام روسيا بمحاولة تسميم الجاسوس الروسي المزدوج وابنته باتفاق ودعم من إدارة ترامب تحديداً بعد انضمام 21 دولة أوروبية إلى اتخاذ إجراءات واشنطن ولندن نفسها في إبعاد عدد من الدبلوماسيين الروس من تلك الدول.
ترامب أعلن عن عقوبات مالية واقتصادية على عدد من الأثرياء الروس ورجال الأعمال لزيادة الضغوط الداخلية على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولا أحد يستبعد أن يطلب ترامب من دول في الشرق الأوسط فرض العقوبات على موسكو، فالسعودية ستكون في مقدمة الدول التي ستجندها واشنطن لهذا الهدف إضافة إلى دول الخليج التي تؤيد التهديدات الأميركية لإيران وتعارض سياسة موسكو وتحالفها مع إيران وسورية، فإدارة ترامب تبذل الآن جهوداً سياسية وعسكرية لفرض شروط هذه الحرب الباردة ضد موسكو لأنها تعد في نظرها البديل الأفضل من المجابهة المباشرة العسكرية مع موسكو أو مع حلفائها تحديداً بعد شكوك وزارة الدفاع الأميركية في إمكانية تهديد موسكو بحرب مباشرة يصعب التفوق فيها على التكنولوجيا العسكرية الحديثة التي أعلن عن بعض منها الرئيس فلاديمير بوتين في الأول من آذار.
ولذلك يترقب المحللون السياسيون في الولايات المتحدة وأوروبا ما يمكن أن يعلن عنه ترامب في أيار المقبل تجاه اتفاقية «فيينا» مع إيران في الموضوع النووي وثمة من يعتقد أن ما سيعلنه ترامب سيشكل منعطفاً استراتيجياً حاداً للسياسة الأميركية في المنطقة بل بداية الإعلان الرسمي عن الحرب الباردة الجديدة.
وهذا ما جعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يطلب اجتماعاً مع ترامب في 24 نيسان الجاري وما جعل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل تطلب اجتماعاً مع ترامب في 27 من نيسان الجاري أي قبل أسبوعين من موعد 12 أيار الذي قرره ترامب للإعلان عن سياسته الجديدة تجاه الاتفاقية الدولية مع إيران! وبالمقابل أكدت موسكو وبكين تمسكهما بهذه الاتفاقية الدولية.
مع ذلك ما زالت التوقعات قائمة لعقد اجتماع قمة بين بوتين وترامب لم يحدد موعدها بعد، رغم أن ترامب أثنى على مثل هذه اللقاءات وضرورتها مع الرئيس بوتين علناً، وتزداد أهمية ما سوف ينتج عن كل هذه اللقاءات التي سيعقدها ترامب مع قادة أوروبيين ومع الرئيس بوتين بعد هذه الأسابيع القليلة المقبلة حتى منتصف شهر أيار وما سوف يحمله على المنطقة بعد نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس المحتلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن