قضايا وآراء

بعد العدوان.. الصراع المتجدد

| مازن بلال

تبدو المسألة أكثر من «الرعونة» التي يؤكدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل مستمر، فالصواريخ التي ضربت سورية بأبعادها العسكرية لا تحمل أي هدف تكتيكي أو إستراتيجي، إلا أنها إعلان واضح بأن المؤسسات الدولية مثل مجلس الأمن، أو الخطوط الدبلوماسية وعلى الأخص اتصالات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ببعض الدول الأوروبية؛ غير قادرة على احتواء «اشتباك» صغير ومثير للجدل ولا يحمل معه أي وضوح في التفاصيل، باستثناء مواقع التواصل الاجتماعي التي نقلت صور «الهجوم الكيميائي» المزعوم.
في اعتداء الأمس كان هناك محاولة أميركية أكيدة في تجنب الاصطدام مع روسيا، ولكن حقيقة الفشل السياسي لا ينفيها الحرص على عدم التصادم بين موسكو وواشنطن، فنحن لا نعود اليوم إلى مرحلة الحرب الباردة، ففي النصف الثاني من القرن العشرين كانت الحرب الباردة قادرة على احتواء الأزمات، على حين تفشل اليوم في التعامل مع أي تطور يمكن أن يثيره طرف لا يقدر حجم الخطر الذي يحمله أي عمل عسكري مهما كان محدوداً.
عمليا، فإن الاعتداء على سورية لم يكن اختباراً من الولايات المتحدة، وهو على عكس الكثير من التحليلات التي تُرجعه إلى «حفظ ماء وجه» الرئيس الأميركي، فهو يحمل معه أمرين:
– الأول تثبيت المواقع السياسية، فالولايات المتحدة ترسم جبهة دولية في مواجهة روسيا، وهذه «الجبهة» تعمل على تحشيد الدول لمحاصرة الفعل الدبلوماسي الروسي على وجه التحديد.
الاستعراض السياسي الذي شهدناه منذ ظهور مسألة «الكيميائي» في مدينة دوما يؤكد أن واشنطن تبحث عن ارتباط قوي مع «حلفائها»، فتوجهها ينظر إلى العالم على أنه لم يشكل بعد توازناته الجديدة، وأن موسكو حتى اللحظة لم تستطع أن تضم إليها دولاً كبرى، فحتى تحالفها مع الصين لم يصل إلى مرحلة العلاقات بين الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية.
– الثاني التلويح بإمكانية «تطور» الاشتباك بشكل يؤدي إلى صدامات بمناطق أخرى من العالم، فتنفيذ تهديد الرئيس الأميركي هو نموذج لشكل التداعيات التي يمكن أن تحدث في مناطق مختلفة من العالم.
التحشيد الحاصل في شرقي المتوسط هو أخطر مما يوحي به على الأقل على المستوى العسكري، فـ«التحشيد» يقود أحياناً لاشتباك حتى لو لم يسع الطرفان إلى الصدام، فالخطورة كما يأمل الجانب الأميركي سيدفع روسيا إلى البحث عن مخارج جديدة، ومن الجانب الآخر فإن كلفة انتشار القوات الروسية يمكن اعتباره وفق واشنطن جزءاً من الصراع، فهو امتداد للعقوبات الاقتصادية على روسيا وفي الوقت نفسه تطوير لعملية الاستنزاف الذي تراه الإدارة الأميركية فعالاً تجاه موسكو.
انتظار التطورات السياسية لا يرتبط فقط بالنتائج المباشرة للاعتداء على سورية، وهو يبدو بعيداً نوعا ما من الأهداف الضيقة والخاصة بالوضع السوري، فاستخدام الجغرافية السورية لا يحد من التداعيات التي يمكن أن نشهدها لاحقاً، فالمعركة المحدودة جغرافياً لا تعني حدوث تحولات عميقة ربما تطول تعامل روسيا مع العديد من الأزمات الدولية.
في سورية التي طالها الاعتداء أمس يظهر التصادم وأشكال التحالفات، والأخطر ظهور جبهة حقيقية بين طرفين يسعى أحدهما للتعامل مع التوازن الدولي القائم من دون تغييره مهما كلف الثمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن