من دفتر الوطن

اتجاه إجباري!

| عصام داري

تكشف لنا التجارب والأيام حقائق كانت أمام ناظرينا ولم نلحظها على الرغم من وضوحها، وفي لحظة خاطفة تشرق فكرة تدهشنا ونظن أنها تزورنا أول مرة، مع أنها موجودة من بدايات الحياة.
نسأل، على سبيل المثال، هل نحن الذين نختار الدروب والمسارات، أم هي التي اختارتنا؟ وهل كانت خياراتنا صائبة، أم إنها «مصيبة!» حلت بنا وسهلنا لها العبور إلى حياتنا لتكون أحد الأخطاء التي اقترفناها مع سبق الإصرار والترصد؟
أرى أننا نسير في اتجاه إجباري منذ رأينا النور أول مرة وحتى نهايات الدروب، وأن كل السبل التي سلكناها بمحض إرادتنا وخيارنا الحر لن تفلح في تغيير الاتجاه الإجباري المرسوم لنا، وهنا أستحضر أغنية محمد عبد الوهاب «من غير ليه» التي تطرح سؤالاً وجودياً يقول:( مشاوير.. مرسومة لخطاوينا نمشيها في غربة ليالينا.. يوم تفرحنا.. ويوم تجرحنا وإحنا ولا إحنا عارفين ليه).
منذ البداية ونحن نبحث عما يسعدنا ويريحنا، لكننا لم نصل يوماً إلى مبتغانا، نجد الدروب السالكة نحو جنة الحياة المسحورة التي تليق بنا ليس كعابرين للحياة، بل كفاعلين فيها وأصحاب رسالة عنوانها الحب، وتفرعاتها النبل والخير والرقي.
كنت أظن أن رحلتي مستمرة نحو عالم تسوده المحبة والحب والتحليق في آفاق لا حدود لها وأن الفرح آت خلالها، نسيت أن نهايات تلك الدروب لن تكون كما حلمنا بها، وأنها قد تنقلب رأساً على عقب، وأن السعادة التي نبحث عنها تسبقنا بمراحل وتدعونا المرة تلو الأخرى إلى اللحاق بها، لكننا نفشل، ونعود ونكتشف من جديد أننا لسنا من يمتلك صنع النهايات السعيدة، واتخاذ القرارات الصحيحة، وأننا لن نحيد خطوة واحدة عن هذا الاتجاه الإجباري.
كثيرة هي أحلامنا التي لم تتحقق، ونادراً جداً أن ترجمت أجزاء صغيرة من الأحلام، حتى في أمور تبدو أنها في متناول اليد.
يخطفنا الوقت من زماننا، يسرق منا أجمل أيامنا، يلقينا حطاماً على قارعة العمر، نصحو من غفوتنا لنجدنا وقد وصلنا المحطة الأخيرة وعلينا الترجل، وأن خطواتنا الأولى كانت عبارة عن رحلة في طريق طويل واتجاه واحد محتوم، لا وجود لشوارع ذات اتجاهات وتفرعات مختلفة ومتنوعة، وإن سرنا بالفعل في مثل تلك المسالك، لأنها ببساطة تصب في نهاية المطاف في ذلك «الاتجاه الإجباري».
قلت ذات مرة: نحن زوار عابرون في هذه الدنيا، عندما ينكسر الوقت وتهرب الدقائق من ساعاتنا، وتلدغنا عقاربها بعنف وحقد، وعندما يصمت الكلام، وتهجم العتمة من دون استئذان، نعرف أننا اقترفنا خطيئة إهدار سنوات عمرنا في مقامر الحياة.
اليوم أدرك معنى هذه الفكرة، وأدعي أنني أعرف لماذا يلوم الناس الزمان، وينسون أنهم ساهموا في كتابة تاريخهم في هذا الزمان، وأنهم لم يحاولوا التقاط ثانية تشبه ومضة برق كادت تغير مسار حياتهم، وربما كانت ستقودهم إلى ذلك الفردوس المفقود الذي نبحث عنه جميعاً على مدار الدهور والعصور.
سنواصل السير في الاتجاه الإجباري، وستقودنا «خطاوينا» إلى مشاوير تفرحنا حيناً، وتحزننا أحياناً، ولن نتوقف في أي محطة، لأن الحياة لا تعرف التوقف أبداً!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن