من دفتر الوطن

قصة سر معلن!!

عبد الفتاح العوض  :

قرأت خلال الفترة الفائتة مذكرات لسياسيين سوريين شهدوا أو شاهدوا أحداثاً مهمة في منطقة مهمة وفي لحظات فاصلة.
من حيث المبدأ لدينا مشكلة حقيقية في كتابة المذكرات في سورية.
قلة الذين كتبوا، ليس لدينا وفرة في كتابة المذكرات وبالتالي ليس لدينا فرص كافية لقراءة روايات مختلفة للتاريخ.. وبالتالي ليس لدينا زوايا مختلفة للحقيقة. وربما علينا أن ننتظر سنوات قادمة ليتسنى لنا معرفة تفاصيل أحداث أثرت في تاريخ سورية.
أهمية المذكرات أنها تقدم لك أشياء غير معروفة، في جزء من المذكرات ثمة ما يمكن أن يكون كشفاً لأسرار… أو إظهاراً لحقائق… أو تبياناً لأحداث تباينت الروايات حولها وأشكلت على الناس حقيقتها.
لكن الذي حدث أن أصحاب المذكرات لم يقدموا معلومات مهمة ولا كشفوا أسراراً لم نعرفها.
كل ما في الأمر أنهم قالوا إنهم شهدوا هذه الأحداث على ضخامة أهميتها، وعلى قيمة تاريخيتها.
قرأنا في هذه المذكرات التاريخ القريب الذي عايشناه لكنه لم يقدم لنا شيئاً.. عرفنا ما هو معروف.
في مثل هذه الحالات عادة ما يكون التميز في التقاط تفاصيل وفي تفسير أحداث، في نقل أشياء ما كانت معروفة للعامة.
في تفسير ذلك يمكن أن تذهب باتجاهين متعاكسين، اتجاه يقول إن السياسة السورية بحد ذاتها بلا أسرار.
ما هو فوق الطاولة هو كل شيء…
في هذا التفسير الإيجابي نستطيع أن نقول إنه لا شيء مضمراً ومبيتاً في السياسة السورية.. وما يعرفه المواطن هو ما يحصل فعلاً وبالتالي لا حاجة لأسرار.
عندما توجد الأسرار يوجد أشياء يُخجل من كشفها.
هذا هو التفسير الإيجابي في الموضوع.
أما الاتجاه الآخر فله علاقة بأن طبيعة السياسيين السوريين التكتم، وحتى وهم يتحدثون عن الماضي فإن قضايا كثيرة تمنعهم من قول الأشياء غير المعروفة وغير المعتادة.
إنها مدرسة تكاد تكون سمة سورية انعكست على الإعلام.. فتجد الخبر الرسمي خالي المعلومة.. على شاكلة الصيغة المعتادة «وتم بحث التعاون بين البلدين واستعراض الأحداث في المنطقة».
والإعلام هنا ليس صاحب المشكلة.. فهو في هذا النوع من الأخبار مجرد ناقل لا أكثر.
التكتم في السياسة ليس أمراً سيئاً، وحتى في الحياة العامة يكون التكتم مفيداً، ففي الحديث الشريف «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان».. لكن عندما يكون العمل نشر مذكرات فإن التكتم ليس فضيلة، بل على العكس تقديم المعلومات وتفسير الأحداث وتقديم العبر هو الغاية الأسمى لأي سياسي خاض تجربة كتابة المذكرات.
على أي حال.. سننتظر سنوات أيضاً لنقرأ لسياسيين سوريين أحاديث حقائق وتفاصيل أحداث وأسرار تخرج من الظلمة إلى النور..
وعلى أي حال، إن مجرد كتابة المذكرات من السياسيين السوريين هي حالة يمكن أن يبنى عليها لتصبح المذكرات قصة سر معلن!!

أقوال:
إذا قمت بتذكر تجاربك الفاشلة، فبإمكانك وضعها في سيرتك الذاتية واعتبارها إنجازات.
السيرة الذاتية: هي مبالغة مكتوبة من أشياء جيدة، فضلاً عن قائمة من الصفات التي يرغب الشخص في التحلي بها.
إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار ولكن في باطنه نظر وتحقيق.
التاريخ هو الحصيلة الإجمالية لأشياء كان من الممكن تفاديها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن