ثقافة وفن

13 جائزة دولية.. سورية مُستقره ومقامه.. ولا يزعزع إيمانه بها شيء … عدنان الشيخ لـ«الوطن»: دمشق موطن الخط العربي وإبداعه وهي التي قدمته للعالم

عامر فؤاد عامر :

حاز 13 جائزة دوليّة في فنون الخط العربي، كان آخرها المركز الأول في الخط الديواني عام 2004، لينتقل بعدها ويكون عضواً في لجان تحكيم مسابقات الخط العربي في أنحاء العالم، لديه العديد من المحاضرات التي ألقاها في ملتقيات دوليّة وعالميّة، كما امتهن التدريس في عدّة أماكن منها كليّة الفنون الجميلة في دمشق، والمدرسة العدنانية للخط العربي على الفيس بوك لينشر معارف التي وصل إليها في الخط العربي إلى كل أنحاء العالم، وتكريماً له وإنجازاته في خدمة الخط العربي أقامت له وزارة الثقافة عام 1998 معرضاً فنيّاً وشهادة تقدير اعترافاً بفضله، واليوم تنتشر معارفه التي حصدها عبر 45 عاماً من الاجتهاد والكسب والتجربة والعطاء في كل أنحاء العالم ويطلبه ناهلو العلم لثقافته الواسعة في هذا الميدان، وفي حديثٍ خاصّ لـ«الوطن» يتطرق الخطاط السوري العالمي «عدنان الشيخ» إلى نقاط عميقة تناقش محبته لفنّ الخط العربي، وتعمقه في هذه المهنة، في حديثٍ قريبٍ من الروح.

تحليل العلاقة

بينه وبين الحرف ومهنة الخط علاقة خاصّة، لماذا تكونت هذه العلاقة؟ ولماذا سكنته كثيراً على مدى سنوات العمر؟ وعن هذه البدايات وارتباطها بالخطاط الفنان «عدنان الشيخ» الذي تفضل بهذه الإجابات: «من صغري وفي عمر السابعة تلقيت الكثير من العلوم الشرعية في مسجد الحي في حمص وأحكام تلاوة القرآن الكريم تجويداً، وإعراباً، وصوراً بلاغية، وهذا ما حبب إلي فيما بعد فنون اللغة العربية نثراً وشعراً، وطبعاً اطلعت على كثير من منظوم اللغة ومنثورها بالتالي جمعت مع الرصيد السابق رصيداً لغويّاً وأدبيّاً، فاجتمع الرصيد كلّه ليفتح أمامي الدخول محراب الخط العربي الذي أحببته بكلّ جوارحي، ومصدر الحبّ هو اللوحات الباقية من كتابات الخطاط المرحوم «عبد الهادي زين العابدين» من حمص الذي كان أديباً وشاعراً، وأيضاً كتابات المرحوم «محمد بدوي الديراني» الدمشقي، وأنا لم أتلق فن الخط على يدّ أحد وليس لي أستاذ مباشر وكلّ الراحلين أساتذتي، وهذا في تقديري أمر إيجابي، وعلى الرغم من المفهوم السائد بأنه يجب ضرورة وجود معلم مباشر ولكن يبدو أن حرية التنقل والتزود من عدّة مصادر تعطي غنى وحركة أكبر وغالباً الخطاطون الذين يتربون على أيدي أساتذتهم يتخرجون نسخة كربونيّة عنهم، وكان الراحلون يتصفون على الأغلب بالتزمت فيفرضون أسلوبهم ويلغون أسلوب الآخر، فهكذا كانت العقليات، لكن اختياري لطريق التنوع هذا كوّن لي شخصية لا تشبه أحداً، فيها ابتكار مع تحصيل قوي، إضافة لتعدد الروافد الأخرى وهواياتي من اهتمام موسيقي ودراية في المقامات الموسيقيّة، والإنشاد الديني».

ميدانا العلم والمعرفة
لدى اطلاعنا على المفاهيم الفلسفية نجد أن العلم والمعرفة أمران مختلفان، فالعلم هو التجربة، أمّا المعرفة فهي اليقين، والشموليّة، وما قبل التجربة، وبعدها، فالمعرفة أوسع من العلم، فأين ضيفنا «عدنان الشيخ» من هذا الكلام؟ فيقول: «في فنّ الخط يجتمع العلم والمعرفة معاً، ويوطّد أحدهما للآخر ويمهد له، فهناك ضوابط علميّة وراسخة جداً توافق عليها إعلام الخط عبر مئات السنين، فهناك تراكم، وشخصيّاً أنا ضدّ نسب قاعدة ما في الخط لفلان من الناس، فكلّ الناس شركاء بالتراكم، فقد يكون فلان قد أضاف شعرة على من سبقه، فاللاحق يكون على الأغلب خيراً من سابقه لأنه يكون على دراية أكثر من السابق، ومطلعاً على موهبته أيضاً، وبالتراكم يتفوق عليه ولا يلغيه، فالقديم يبقى على وجوده، لكنه أكثر خيراً منه، وهذا أمر طبيعي، ففي رياضيات الخط العربي هناك قواعد صارمة جداً لا يمكن تجاوزها وخاصة في مرحلة التدريب الأولى، وهناك أمران يجب إدراكهما، وهما شخصيّة الحرف وقياسه، فالتكوين له علاقة بشخصيّة الحرف، وفي هذه المنطقة للخطاط مطلق الحريّة، ويتفاوت فيها خطاط عن آخر، فهذه بالتحديد هي منطقة المعرفة، أمّا منطقة القياس فهي منطقة العلم، والتي يعلمها جميع الخطاطون، ولا اختلاف عليها بين اثنين، مهما علا شأنه أو هبط، إذا الاختلاف في منطقة الشخصيّة، والتي تحمل صلابة وقساوة تعبير الخطاط، ويتلاءم أحياناً الموضوع حسب مجاورة الحرف لغيره من الحروف، وهنا هذا الإحساس لا يعلّم بل يأتي إلهاماً من اللـه سبحانه وتعالى، فمنطقة المعرفة ليس فيها شرط الممارسة، وكأن الملائكة تقول للخطاط افعل كذا ولا تفعل كذا».

سرّ الشام وتفوّقها
حالة إبداعيّة ارتبطت بالشام، وحالة الكم والنوع نجدها موفورة هنا في هذه المساحة، وإذا ما قارنا هذه الحالة بغيرها من البلدان العربيّة فسنجد تفوقاً واضحاً لدينا في فنّ الخط العربي، فما الأسباب بحسب خبرة واطلاع «عدنان الشيخ» ولاسيّما أنه كثير السفر والمشاركات في المسابقات الدوليّة، والاطلاعات، والعمر، والتجربة: «اعتقد أن مردّ ذلك إلى أن سورية موئل للقرآن الكريم واللغة العربيّة، فأضعف شخص لدينا يتكلم اللغة العربيّة بصورة أفضل من دكتور في اللغة لديهم، وهذا يقيني، فسورية قلعة العربيّة، وكانوا يقولون تؤدى اللغة العربيّة بلسان النطق تارة وبلسان القلم تارة أخرى، فالخط هو اللغة المرسومة على الورق، فقوة هذه البلاد في تراث هذه البلاد، وفي صميمها ازدهار للغة وعلماؤنا يتميزون كثيراً عن غيرهم، ولا مجال للمقارنة مع أي بلد عربي آخر، في حين لدينا المثقف العادي البسيط أقوى من الأديب الشاعر لديهم بكثير، فتوءمة الخط واللغة هي التي صنعت التفوق لدينا في سورية، ولا ننسى التاريخ العريق الموفور في سورية، فلدينا في جيل سابق «محمد الديراني» العملاق الكبير، والذي أعتبر أن الإعلام لم يسلّط الضوء عليه كما يجب، فهو لا يجارى بما أنتج وقدّم، أيضاً من الجيل نفسه «عبد الهادي زين العابدين» في حمص من أحد العمالقة في هذا ا لمجال، و«يوسف رسا» و«ممدوح الشريف» وكلّهم أعمدة أساسية، بعدهم جاء «أحمد المفتي» و«أحمد الباري»، و«عثمان طه»، و«محمد القاضي»، وهؤلاء يمكن تصنيفهم بالرعيل الثاني، وأيضاً «محمد غنوم»، وأسماء كثيرة يتكئ بعضهم على بعض، لولادة أجيال جديدة، ولدينا في جيل لاحق المسابقات التي بدأت منذ 30 عاماً فقط، أي على دوري وأبناء جيلي من الخطاطين، وهنا نتثبت أكثر من تفوق الخطاط السوري على غيره لأنه الأول في الموهبة، والإبداع، والإنتاج، والكميّة، والنوعيّة، والجميع يعترف بذلك من خطاطي وفناني العالم».

بين القلب والدماغ
حفظ المعلومة في القلب يجعلها تعيش أكثر من مجالها في الكتاب، فالضمير يحملها وينقلها من جيلٍ لآخر، في حين الكتاب مُعرض لفقدانها، وتضييعها، كما هي على أصولها، فأين المهرب لدى الصياغة الخطيّة، وأين المنفذ من هذا؟ وعن هذه الفكرة كان جواب عدنان الشيخ: «من ميّزات فنّ الخط انفراده في القيمة التربويّة عن طريق القيمة الجماليّة التي تعدّ هذه الأخيرة مصيدة للتربويّة، فعندما تسترعينا لوحة ما، فإن القيمة الجماليّة هي ما يجذب، ومن ثمّ يسعى الشخص لتحليل أجزائها ليستنتج منها قولاً ما أو حكمة ما، وبالتالي دخلت يقينه قيمة ومعلومة وهو ما يدخل العقل عن طريق القلب أرسخ مما يدخل العقل مباشرةً، فأهم رسالة للخط هي البعد التربوي، ومن ناحية أخرى إن كان الهدف من الخط هو «الجمال للجمال» فأيضاً هناك قيمة عظيمة للفن في الخط العربي، ففن الخط واسع جداً فيتسع لأن يكون في خدمة الجمال وحده وفي خدمة المجتمع أيضاً».

نصائح للأجيال
ماذا نقول بعد خبرة 45 عاماً في الخط العربي من حيث أخلاق المهنة حول فكرة النقد الذاتي وقبول نقد الآخر: «أقول لهواة الخط الجدد عدّة نصائح وأوّل ما أقوله الطائر يطير بجناحين، فإذا هيض أحدهما أخفق في الطيران، فالأوّل له علاقة بالثقة بالنفس المستمد من الثقة بالله الذي منحنا نعماً كثيرة، وصرف العمر هنا لاستنفاد المخزون، والثقة بالنفس لا تأتي عبر تقديس الأشخاص ولا عبر نسب الكمال لأحدهم، فالثقة يجب أن تكون كاملة، وهنا نستذكر قول المتنبي:
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي
وبنفسي فخرت لا بجدودي
وبهم فخر كل من نطق الضاد
وعوذ الجاني وغوث الطريد
لكن إذا اتكل في الأمر على الكسل والنوم فالأمر صعب جداً، وهنا يأتي دور الجناح الثاني في العمل الدؤوب ومواصلة الليل في النهار لاكتساب المعلومة تلو الأخرى، فكلّ إشراقة شمس علينا أن نتعلم شيئاً جديداً معها ويقول أحدهم: إذا ما مرّ يومٌ لم أستفد فيه علماً أو أصطنع يداً في الخير فما مرّ من عمري. أمّا الجناح الثالث الذي يقود كلا الجناحين وهو إنكار الذات واتهامها الدائم بالتقصير. والنصيحة الأخرى، لا تتعجلوا قطف الثمر، فهذا مقتل حقيقي، فالسعي وراء الشهرة والنجوميّة لا تنفع، فكلّ شيء له وقته».

لغة لونيّة
بين أن نكتب بالحبر واللون الواحد وبين أن نكتب بالألوان، ما الفرق لدى الخطاط «الشيخ»: «كان الخطاطون القدماء يكتبون بالحبر الأسود تحديداً وعلى نوع محدد من الورق، في حين اليوم هناك المزيد من التطور في نوع الحبر والورق والألوان، وأنا مع مواكبة التطور واليوم أحاول أن أضفي لغة تقريبية لكل لوحة أكتبها فإذا كانت الكلمة تحمل صيغة من الفرح والتفاؤل أمنح حروفها حجماً مختلفاً وفي شيء من الحركة، وبالعكس إن كانت الكلمة تحمل معنى الحزن أو التعب فأسعى لتصغير الكلمة وحروفها وتلوينها بما يناسب، وأحياناً اللون ليس للتصوير بل للغة الإدهاش وأحياناً ينحو باتجاه الإمتاع وخدمة الجمال فقط».

صرح الخط العربي
ألا يستحق فن الخط العربي وجود كليّة خاصّة به؟ ولدى سؤالنا عن هذا الموضوع كان بوحه: « أتمنى من المسؤول عن هذا الأمر أن يسعى بهذا الموضوع، فسورية منذ إقامة المسابقات في هذا الفنّ وعلى مستوى العالم هي الأولى كمّاً ونوعاً، أفلا يستحق ذلك أن يكون هناك كليّة أو صرح للخط العربي؟ والاهتمام بها بصورة مستقلة لا وضعها كمادّة ثانوية. ويحسدنا الآخرون على هذه المكانة في المسابقة الدوليّة، فالقوة في الإبداع والتفوق في هذا الميدان تحديداً كلّه يُنسب لسورية، واليوم أنا أستاذ في الخط، ولدي معارف كوّنتها من خبرة الكثير من السنوات، وأتمنى أن أقدم ما وصلت إليه للآخرين».

شِعرٌ في الوداع
في ختام حوارنا ألقى الخطاط «عدنان الشيخ» أبياتاً من تأليفه علينا، تروي مكانة هذه المهنة في قلبه، ومكانة الشام فيها، وتفوّقها بين كلّ دول العالم، وقد انتقينا منها ما يلي:
ثلث الخطوط حدائق الأحداق
شهد يطيب لنخبة الأذواق
بدوي وهاشم والكبار جميعهم
ذرفوا البكاء لضاحك الأوراق
صاغوا عيوناً من بريق عيونهم
حوراً فأضحت مصرع العشاق
تلك المراتب لا تُنال تمنياً
فافتح لعزمك منفذ الإعتاق
في محفل الخط الكبير صدارة
للشام بين مدارس الآفاق
فرحي بذاك إذا يقاس فإنه
فرح المشوق بأوبة المشتاق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن