قضايا وآراء

«سيغف» غيت

| عبد المنعم علي عيسى

في يوم الاثنين الماضي خرجت إلى العلن فضيحة مخابراتية من العيار الثقيل، بل وربما كانت هي الأهم في التاريخ الإسرائيلي، عندما ألقى الأمن القبض على الوزير السابق غونين سيغف وهو يختبر نظاماً جديداً لتشفير الرسائل، أما التهمة فهي التخابر مع إيران، البلد الذي تعتبره تل أبيب في حالة حرب معها، وهو يدعو إلى زوالها من الوجود.
سريعاً ما تبدت آثار الصدمة الحاصلة فالبعض من المحللين قال إن سيغف هو أخطر بكثير من الجاسوس «مردخاي مغنونو» الذي أدلى بمعلومات وعرض وثائق تثبت امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية في العام 1986، أما حدّتها، أي حدّة الصدمة، فهي تتأتى من أن الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية كانت لا تزال تعيش نشوة نجاحاتها التي أعلن عنها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في نيسان الماضي عندما قال إن الموساد استطاع الوصول إلى مركز الأمن الوطني بالقرب من طهران واستطاع الخروج بـ55 ألف وثيقة، وعلى أي حال سواء أكان المغالون هم الذين يملكون الرؤية الصائبة أم «شديدو البرودة» وجلّهم من الاستخبارات، فإن سيغف على درجة عالية من الأهمية فهو وزير الطاقة والبنى التحتية ما بين 1995-1998 ولا شك في أنه يملك الكثير من المعلومات الهامة خصوصاً إذا كانت لديه النزعة للوصول إليها.
تقول السيرة الذاتية للجاسوس سيغف إنه شخص نرجسي لديه إحساس عارم بالتفوق وهو يعتقد بقدراته على تضليل أجهزة الأمن والاستخبارات، أما مواهبه فهي كفيلة بأن تجعل «الكل» غير قادرين على الإفلات منها، عاش بضائقة مالية جعلت، بالإضافة إلى كاريزماه السابقة، منه فريسة محتملة لصيد استخباراتي، والمؤكد أن هذه الحالة كانت قد لفتت أنظار الإيرانيين وحزب اللـه منذ تسعينيات القرن الماضي ولذا فإن من الخطأ اعتبار أن تاريخ بدء التجسس كان في العام 2012 فصاعداً فقد ورد اسمه مراراً في العديد من الصحف البريطانية إبان تناولها لحزب اللـه اللبناني وخصوصاً في حرب تموز 2006، والمهم هنا في هذه السردية هو أن الاستخبارات الإيرانية أو التابعة لحزب اللـه قد استطاعت الوصول إلى هذه الدائرة الضيقة التي ينتمي إليها سيغف وهي بالتأكيد في المدار الثاني الذي يلي مدار صناع القرار بل وكان لديها الوقت الكافي لإجراء دراسات نفسية للعملاء المحتملين وللمفاضلة فيما بينهم بدليل أن تلك الاستخبارات وفي لحظة من اللحظات فاضلت ما بينه وبين «الحنان تننباوم» فاختارت هذا الأخير بعملية استخباراتية هدفت إلى مبادلته بعناصر من حزب اللـه.
تؤكد كل التقارير أن المال كان الدافع الأساسي لسيغف في ذهابه نحو ما ذهب إليه وربما كان هناك أيضاً بعض من أثر انتقامي جراء رفض الحكومة لمرات عديدة كان قد تقدم فيها بطلب للسماح له بمزاولة مهنته الأساسية كطبيب بعد أن منع منها إثر تورطه في قضية فساد، إلا أن هكذا أثر لا يمكن للاستخبارات الإسرائيلية تسليط الضوء عليه لتداعياته الخطرة والأبواب التي يفتحها، وهي عديدة، لكن على الرغم من التأثيرات السلبية التي تطال الدولة والحكومة الإسرائيلية بل رئيسها شخصياً فإن ذلك لم يمنع من إخراج تلك الفضيحة إلى العلن، والسؤال الأبرز هنا هو لماذا كان ذلك؟
الراجح هو أن نتنياهو أراد في ظل كل هذه المعمعة التي تحيط بإيران وبالدور الإقليمي الإيراني أن يدلي بدلوه هو أيضاً، عبر القول إن طهران تمثل النموذج الأكبر للدولة العبثية التي تعمل على اللعب بأمن دول المنطقة حتى أنها وصلت إلى إسرائيل نفسها وهي المحظية الأميركية الأولى.
يقول المعلق الإسرائيلي رون بن يشاي على موقع «ynet» إن سيغف يتصف بصفتين أساسيتين ربما تبرزان أيضاً في الغالبية الساحقة من الإسرائيليين، الأولى: هي أنه يريد أن يجمع كمية كبيرة من المال بضربة واحدة، والثانية: هي أنه يظن أنه قادر على التلاعب في العالم طوال الوقت بفضل ملكاته الفكرية وجاذبيته الاستثنائية.
هل يمثل مصير سيغف مؤشراً على انهيار تلك الشخصية؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن