الأولى

ما يبتغيه كوشنر وترامب للفلسطينيين

| تييري ميسان

تعتبر الولايات المتحدة أن تعدد الأطراف الفاعلة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، يخدم مصالحها، وقد انخرطت، من خلال سلسلة من المؤتمرات الدولية، في إعادة صياغة القانون الدولي، ليس بالارتكاز إلى قواعد القانون اللاتيني، بل إلى القانون الأنغلوسكسوني.
تلك كانت نظرية البروفسور جوزيف كوربل، التي طبقتها ابنته البيولوجية، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، ثم ابنة الأخيرة بالتبني، كونداليزا رايس.
بيد أن القانون الأنغلوسكسوني لا يهدف بتاتا إلى تحقيق العدالة، بل لإدانة اضطرابات الحياة داخل المجتمع، ومن الناحية العملية، يقر القانون الأنغلوسكسوني بأفضلية الأغنياء والأقوياء، وهكذا أصبح تعدد الأطراف، بشكل تدريجي، سلاحا بيد الإمبريالية، تستخدمه أداة لإجبار الجميع على قبول القواعد التي يحددها طرف أوحد.
تم انتخاب دونالد ترامب لإنهاء الإمبريالية الأميركية، وإعادة «الحلم الأميركي»، وهو لا ينوي بتاتا إبراز قوة الولايات المتحدة خارج حدودها، على حساب إهمال شعبه، بل كسر هذا النظام لمصلحة شعبه، والاستعاضة عنه بمنافسة اقتصادية حرة.
لذلك فهو لا يتمنى لفلسطين سلاماً عادلا ودائما، ولا في المقابل سلاماً أميركيا مفروضا بالإكراه، وبالرجوع إلى مبادئ مثله الأعلى، الرئيس أندرو جاكسون (1829- 1937)، نجده يكتفي بفرض حق الجميع في نيل السعادة، كما هو منصوص عليه في الدستور الأميركي.
وعلى عكس أسلافه جميعا، فإنه لم يعين دبلوماسيين من ذوي الخبرة لحل معضلة هذه الدائرة المربعة، أي إرضاء الإسرائيليين مع احترام القانون الدولي، بل على العكس من ذلك، فقد عين مبعوثين خاصين، لا يتمتعان بأي خبرة دبلوماسية، لكنه يثق بهما ثقة مطلقة: المدير السابق لكتلته، جيسون غرينبلات وصهره جاريد كوشنر.
عانى كوشنر كثيراً خلال سجن والده بتهمة التهرب من الضرائب، وصار، هو وجميع أفراد عائلته، موضع سخرية بنظر النخب الأميركية، لكنه تمكن مع ذلك من النهوض بشركة والده، والإقلاع من جديد.
لقد أخذ عهدا على نفسه بإعطاء صورة اليهودي الذي تلقى تربية حسنة، ومتوافقة مع معايير اللياقة البوريتانية، وأصبح، بعد أن تزوج من ابنة المطور العقاري دونالد ترامب، الابن السادس الأكثر تألقا في العائلة، فتبعه إلى البيت الأبيض وخدمه بصمت من دون أي تذمر.
لا يُطلع أحدا سوى الرئيس على المفاوضات التي يجريها، بناء على طلبه في جميع أنحاء العالم، لهذا فهو يتمتع بإمكانية الوصول إلى كل أسرار الدولة، لكنه لا يعرف القيود المفروضة على المسؤولين الأميركيين، وكذلك متطلبات وزارة الخارجية بهذا الشأن.
يعد كوشنر في الوقت الحالي خطة لفلسطين، تستعيد في بنودها وصفات قديمة، كاستيعاب الضفة الغربية والقدس الشرقية ضمن الأردن، وقطاع غزة ضمن مصر، لكن ليس هذا مايهمنا.
كوشنر، يحتقر النخب في الشرق الأوسط، بقدر ما يحتقر مثيلاتها في الولايات المتحدة، وهدفه الحقيقي والفريد في هذه العملية، هو تحطيم قوة هذه النخب، وجعل الفلسطينيين يعيشون «حياة كريمة»!
ربما لم يكن هذا ما كانت تنتظره المنطقة، لكن في النهاية تم اتخاذ بعض الإجراءات الملموسة، لإزالة الجمود.
لكن في حال امتناع دول المنطقة عن تقديم الدعم اللازم لخطة كوشنر، فإن البنتاغون لن يتوانى عن الاستمرار في سياسته الموالية كليا لإسرائيل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن