قضايا وآراء

حرب إعلامية لتكريس النصر

| محمد نادر العمري

بعد سبع سنوات، لم تعد القوى الإقليمية والدولية المعتدية على سورية تمتلك أساليب ووسائل جديدة، تجعلها مؤثرة في المشهد السوري بكافة جوانبه بما فيها العسكرية والسياسية والإعلامية، فالبدايات التي حضرت للعصف بسورية أصبحت خارج دائرة الواقع السياسي بما في ذلك الترويج الإعلامي الهادف لانهيار الدولة السورية وشيطنة جيشها والادعاءات المتكررة والمزيفة لوسائل إعلامها حول هروب الرئيس بشار الأسد أو وجوده على متن بارجة حربية روسية، فضلاً عن إنشاء غرفة عمليات إعلامية عربية ودولية مشتركة وسعيها لصناعة رأي عام عربي وعالمي وداخلي معاد للدولة السورية من أجل تبرير التدخل في الشؤون السورية واستثماره ضمن أجنداتها بتكرار السيناريو الليبي.
هذا السيناريو وخاصة الاستمرار «بالحرب النفسية» من قبل محور واشنطن مقابل الرضوخ وقبول دمشق بفكرة التحول والانتقال السياسي التي تحدثت عنه هذه الدول في مؤتمراتها وقراراتها لم يجد طريقه للتطبيق العملي، فالبنية المؤسساتية للدولة السورية بالدرجة الأولى وتماسك الجيش العربي السوري وقدرته على احتواء كافة المخططات ومن ثم امتلاك زمام المبادرة في تغيير موازين القوى على الأرض بالدرجة الثانية وتسارع وتيرة المصالحات وثبات الحلفاء والأصدقاء على مواقفهم بمحاربة الإرهاب عسكرياً وخوض كباشات سياسية في المحافل الدولية جميعها عوامل ومعطيات أدت لتفريغ معادلة الحرب النفسية التي شنت على سورية.
ويبدو جلياً اليوم أن أزمة السيناريوهات، إن صح التوصيف، لمحور واشنطن دفع القيادة السياسية السورية لخوض معركة إعلامية على مستويين: داخلياً من خلال الزيارات المتكررة للرئيس الأسد على جبهات القتال والمتابعة الميدانية لكافة المتغيرات، بما يحمله ذلك من أبعاد إيجابية على معنويات المقاتلين وزيادة الثقة المتبادلة وإسقاط كافة الادعاءات المزيفة.
أما على الصعيد الخارجي فقد برز ظهور الرئيس الأسد في أكثر من مناسبة أو استحقاق يتمتع بخصوصية وتوقيت سياسي حرج، فتأكيده أثناء التصريح الصحفي الذي أدلى به لعدد من وسائل الإعلام بعد استقباله معاون وزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري في 4 آذار الماضي على «أخذ التهديدات كافة بجدية من قبل المحور المعادي لسورية لأننا مازلنا في قلب الحرب» شكل علامة فارقة ورسالة بجهوزية الجيش السوري للتصدي لأي عدوان خارجي وهو ما ترجم فجر 14 نيسان الماضي عبر التصدي للعدوان الثلاثي الذي نفذته أميركا وبريطانيا وفرنسا.
تجاوز مرحلة الاحتواء وإحباط «الحرب النفسية والدعائية» على سورية لمرحلة امتلاك زمام المبادرة، بات أمراً واضحاً ومسلماً به على غرار الوضع العسكري، بل يمكن الجزم أن الرئيس الأسد قرر قيادة وخوض هذه المعركة بنفسه ولكن على أسس منطقية وبقراءة جيوسياسية للمنطقة والعالم من شأنها أن تقدم للرأي العام الإقليمي والدولي صورة واقعية عما حضر لسورية والمنطقة، وفي قراءة شخصية ومتواضعة يمكن القول إن الظهور المكثف في أربع مقابلات في أقل من شهر خلال الفترة الممتدة بين 31 أيار و24 حزيران، يحمل رسائل متعددة:
أوّلاً: هو ظهور المنتصر لمن خاض حرباً، ضد أكثر من 86 دولة، وتتضمن تحدياً لمحور واشنطن في حسم معركة الجنوب بعد إخفاق كافة الخيارات السياسية، وارتداداتها على الشمال السوري وخاصة تجاه التواجد الأجنبي غير الشرعي في الشمال السوري وتنصل تركيا من التزاماتها في محادثات أستانا.
ثانياً: انحسار المعارك العسكرية يوجب توسع دائرة العمل السياسي والدبلوماسي ويطرح قضايا وطنية جوهرية وسيادية، لن تتم إلا على الأراضي السورية، وبمشاركة قوية من قبل الحكومة السورية وليس وفق القرارات الغربية ومؤتمراتها على غرار «جنيف1».
ثالثاً: خوض معركة نفسية وسياسية ضد الدول الغربية التي استخدمت الإعلام بشكل كبير في حربها على سورية، ورسم قواعد التعامل مع سورية خلال الفترة القادمة، وخاصة فيما يتعلق بعودة التنسيق الدبلوماسي وإعادة الإعمار، وإبراز متانة التحالف بين محور المقاومة بالدرجة الأولى والتعاون مع الشريك الروسي بالدرجة الثانية.
لعل تأكيد الرئيس الأسد في تصريحه الأخير مع قناة NTV الروسية، بأن التفاوض مع الأميركي منذ عام 1974 «مضيعة للوقت» وهو لم ينفع ولم يؤت ثماره، يحمل بُعْداً هاماً على مستوى النظام الدولي والإقليمي، متمثلاً بانحسار النفوذ الأميركي وثقله في ظل عودة روسيا للمشاركة الفاعلة في الملفات الدولية وهو تكريس للنصر العسكري الذي تحقق في سورية وهو ذاته محدد بارز في تحديد شكل وجوهر العملية السياسية خلال الفترة القادمة بعيداً عن الأجندات الأميركية والغربية وأهدافها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن