ثقافة وفن

الدكتورة عزيزة مريدن في أول تكريم لها … أول امرأة سورية تُعين في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق وتعطيه حياتها

| سوسن صيداوي

لكل امرئ تَوق يبذل لنيله والوصول إليه كل جهد وكل وقت وكل عاطفة وكل إيمان، وكلّما تعاظم تَوقه، تعاظمت معه وهجة شعلة النار الثائرة التي لا يمكن لشيء أو لظرف أو حتى لشخص أن يطفئها مهما بلغت شدّته أو إصراره. هي… تَوقها ميّزها عن كثيرات، لم تختر أن تكون زوجة أو أماً أو حبيبة، اختارت أن تكون رسول علم وعطاء لكل أجيال ستلحق بها، وقررت أن يكونوا كلّهم أبناءها الذين ستمنحهم كل العلم والمعرفة، وستقوم بتوجيههم التوجيه الحق وفقا لما يتطلبه منها إيمانها برسالتها، إنها الدكتورة عزيزة مريدن، ياسمينة دمشقية ترّبت وفق الأصول تربية محافظة، وانطلقت من ثقافة وعلم عائلتها متابعة دراستها في مصر، حاصلة بعد الليسانس من جامعة دمشق، أولا على الماجستير ثم على الدكتوراه بدرجة مشرف جداً في مصر، لتعود وتتحدى بصبرها وإيمانها العميق، ولتقف جنبا إلى جنب، زميلة للرجل وندّا له في قسم اللغة العربية المعروف عنه بخصوصيته لأن كل من يدّرس به من الرجال، درّست ونجحت في الشعر العربي الحديث وليكون لها فيما بعد العديد من المؤلفات المهمة. تكريما لهذه القامة السورية- وهو أول تكريم-أقامت وزارة الثقافة ندوة«سوريات صنعن المجد»الشهرية الخامسة بعنوان«عزيزة مريدن المربية والأستاذة الجامعية» في قاعة مكتبة الأسد في دمشق، شارك فيها كل من: صفوان قدسي ومحمد موعد وماجدة حمود.

كلمة معاون وزير الثقافة

من بين الحضور كان معاون وزير الثقافة الأستاذ علي المبيض، الذي حدثنا عن دور المرأة وأهميته في المجتمع، إضافة إلى دور هذه الندوات في التعريف بنساء سوريات لا يمكن للتاريخ أن يقدم على نسيانهن، فقال: «أنا أعتقد أننا نظلم المرأة عندما نصفها بأنها نصف المجتمع، بل أنا أعتبر المرأة هي المجتمع كلّه، هي الأم التي أنجبت وهي الزوجة، وهي الأخت والابنة، والزميلة في العمل والشريكة في بناء الوطن، وقد أثبتت الأزمة صحة ما أدلو به، وخاصة أنها قدّمت أبناءها شهداء للوطن، إذا لدينا في سورية وفي هذا الوقت بالذات نساء فاقت الخنساء التي قدمت أولادها الأربعة، وهذه المرأة هي جديرة أن ننحني لها احتراما. أما هذه الندوات فهي مبادرة من السيد وزير الثقافة لترسيخ وتعزيز المرأة، السيدة عزيزة مريدن، ومن قبلها فتاة غسان، ومن قبلها ألفت الإدلبي، والأمثلة كثيرة للسوريات المجيدات، منها أيضاً ماري عجم 1910كان عمرها22عاما عندما أصدرت مجلة العروس النسائية وهي أول مجلة نسائية في القطر، كذلك في عام 1933كانت الدكتورة لوريس ماهر هي أول طبيبة في الوطن العربي، وأيضاً في عام1944كانت مقبولة شلق أول محامية، إذاً النساء السوريات أثبتن عبر الماضي البعيد والقريب وخلال الأزمة أنهن نساء قياديات ورائدات».

كلمة مدير الندوة
بداية استعرض مدير الندوة دكتور إسماعيل مروة جانباً من السيرة الذاتية للدكتورة عزيزة مريدن قائلاً: «هي أستاذة الأدب الحديث في جامعة دمشق، بقيت كذلك حتى وفاتها عام1992، هي من مواليد دمشق1929، وهي من أسرة صاحبة علم وتحصيل، في الوقت الذي لم يكن فيه العلم والتحصيل متاحا للجميع، وخصوصاً للسيدات. درست في دار المعلمات في دمشق، ومن ثم تابعت تحصيلها في القاهرة بعد الليسانس في دمشق، وحصلت على الماجستير، ثم الدكتواره».
وعن تعيين الدكتورة في قسم اللغة العربية أشار دكتور مروة إلى أن المواجهة وقتها لم تكن بالأمر الهين لخصوصية قسم اللغة العربية الذي يدرّس به عادة الرجال فقط، متابعاً «عادت عام1966، تحمل شهادة الدكتوراه، وهي أول امرأة سورية تم تعيينها في قسم اللغة العربية في جامعة دمشق، وله خصوصية في الالتزام والعادات، ومن حسن المصادفات أن الأستاذ عبد الكريم الأشتر، كان هو رئيساً لقسم اللغة العربية، وهو الذي عمل على تعيين الدكتورة عزيزة التي كانت شريكته في مادة الأدب العربي الحديث».
وعن معرفته الشخصية بها لأنها كانت أستاذته التي لم توفر جهدا ولا وقتا في خدمة طلابها قال: «الدكتورة عزيزة مريدن كانت مدرسة من الطراز الرفيع، ودرستني ولم تتأخر يوماً ولو دقيقة واحدة عن محاضرتها. لم نسمع صوتها مرتفعا، ولم نسمع نزقاً منها أو نجد طالبا يحاول أن يزعجها، وكانت بدخولها إلى القاعة التدريسية وكأنها إنسان وطبيبة تدخل لتداوي هؤلاء الطلبة».
أما عن دورها في تغيير صورة المرأة السورية فتابع مشدداً «أنا أفخر لأنني أضع لهذه الأستاذة وردة لروحها وعلمها وإنسانيتها، وهذه أول مرة يتم فيها تكريم الدكتورة عزيزة مريدن التي رحلت بصمت، ولكنها استطاعت بعلمها وطموحها ومثابرتها، أن تعطي صورة مختلفة عن المرأة السورية، حيث إننا نجد صعوبة في أن يرغب الأهل في متابعة تعليم بناتهم، أو حتى تشجيعهن على السفر من أجله، ولكنها هي استطاعت ودرّست في المغرب وفي السعودية، وكل مؤلفاتها تصب في خانة الأدب الحديث الذي أخلصت له كل الإخلاص».

الكلمة من القُرب
تحدث الأستاذ والسياسي صفوان قدسي بعبارات ممزوجة بالعاطفة والحنين لذكريات فترة كان فيها قريبا من خالته الدكتورة عزيزة مريدن، بداية عن نشأة خالته في كنف عائلة تقدر العلم حيث قال: «كنت أخشى أن أجنح في كلامي وأنا أصف عزيزة مريدن، وأن يصفني البعض بأن ما أقوله هو بسبب القرابة التي تربط بيني وبينها، فهي شقيقة والدتي، هي خالتي. دكتورة عزيزة نشأت في بيئة محافظة، بالمعنى الدمشقي لكلمة محافظة. والبيئة التي عاشت فيها هي بيئة مثقفين ومتعلمين، بل أكثر من ذلك كان هناك أعلام من الطب وهم الدكتور عزت مريدن الذي كان وفي أواخر الخمسينيات عميدا لكلية الطب في جامعة دمشق، وله إسهامات في اللغة العربية، وكنت أعود إليه في بعض المسائل التي تصعب علي. وأيضاً الدكتور موفق مريدن وهو أستاذ في كلية الطب، مختص في الجراحة العظمية. وخالتي الأخرى كانت من الأوليات اللاتي غادرن من سورية إلى مصر لتدرس علم التربية وعلم النفس».
وعن المعاناة والصعاب التي تعرضت لها دكتورة مريدن خلال مسيرتها أشار «د. عزيزة لم تكن تعاني مشكلات مع عائلتها، لأنها تنتسب إلى عائلة منفتحة، وفيها مجموعة من المتعلمين كأخويها اللذين كانا طبيبين معروفين، وشقيقتها كانت مجازة في علم التربية ودرست في مصر منذ الأربعينيات. نعم كان سفرها أمرا غير مألوف وهي من الحالات القليلة في ذلك الوقت. الدكتورة عزيزة نذرت حياتها من أجل العلم والتدريس، تخرجت في كلية الآداب بجامعة دمشق ومن ثم حضّرت للماجستير في جامعة القاهرة، ثم حصلت على شهادة الدكتوراه بدرجة مشرف جدا، وعندما عادت من القاهرة واجهت مشكلة في اقتحامها عالم التدريس في الجامعة في كلية الآداب، ولكن الصعوبات التي واجهتها كانت في العمل الأكاديمي، حيث كانت الصعوبات بمحاولات لمنعها من أن تحتل موقعها في جامعة دمشق وكلية الآداب في قسم اللغة العربية، لأنها أول امرأة تقتحم هذا القسم الذي كان كل أعضائه من الرجال المتشددين والمتعصبين، الذين لا يتقبلون فكرة أن يكون بينهم امرأة على مستوى من الأداء الأكاديمي الذي كانت تؤديه، وفي النهاية هي تجاوزت هذه المشكلات وتغلّبت على صعوبات كبيرة».
وببوح كلمات أ. مقدسي تابع وأخبرنا عن صفاتها الإنسانية التي ميّزتها ودفعتها إلى تحقيق حلمها مضيفاً أيضاً عن علاقته وقربه من خالته «د. عزيزة كانت سريعة الاستجابة، وإن استعصى عليها جواب، كانت تستمهل وتعود لمراجعها وتجيبني عما كنت أبحث عنه. هي مثابرة ومواظبة وشخصيتها حاضرة دائماً وتصميمها ساعدها بفرض نفسها في تحقيق هدفها، فمن غير ذكر أسماء كان هناك أستاذ متشدد بشكل كبير يقف ضدها دائما، وحاول بكل الوسائل أن يمنعها من الوصول ولكن الظروف لم تمكنه، فكان لها ما أرادت واحتلت موقعها في قسم اللغة العربية في جامعة دمشق. بحكم أن بيتها هو بيت أخوالي كان قريبا جداً من البيت الذي ولدت به ونشأت فيه في حي بستان الرئيس، لهذا التواصل بيني وبينها شبه يومي، وعندما سافرت إلى القاهرة ترددت إليها وزرتها عدة مرات حينما كانت تحضّر لشهادة الماجستير والدكتوراه، وبعدها أعيرت إلى المغرب وكانت في هذه الفترة معها زميلتها الدكتورة ليلى الصباغ. في النهاية أنا تعلمت منها الكثير، هي كانت صبوراً مثابرة ومواظبة الطموح، تكاد تكون زاهدة في حياتها من أجل العلم، ومن أجل المعرفة، وكنت أتعلم منها الكثير، وهي كانت تصحح لي ما يمكن أن أخطئ به في معلومة أدبية أو قاعدة لغوية من مسائل عديدة، وكنت أجالسها أحياناً وهي تكتب وتؤلف ولم يكن يضيرها ذلك رغم أنني كنت أتطفل عليها وربما أختلس من وقتها الذي هي بحاجة إليه. إذاً الجانب الإنساني أكثر من الكلام الذي قلته، وبقي أن أشير إلى أن مكتبتها كانت غالية جداً علي، حاول من لا يعرف التفريط بهذه المكتبة، فاستوليت بإذن ممن يلوذ بها قرابة أن أضم إلى مكتبتي بعضا من كتبها وهكذا فعلت».

كلمة لمن تبعها علماً
من جانبه تحدث أ. محمد موعد عن لقائه وهو في مقتبل عمره الدكتورة عزيزة التي شجعته كثيراً بعد أن اقترح عليها أن يقدم لها موضوع حلقة بحث بغير الموضوعات التي اقترحتها، وبالطبع لم تعترض، بل وافقت على أن يعد المحاضرة ويلقيها أمام زملائه، وإن فعل فستمنحه أعلى درجة، وبالفعل صدقت الدكتورة بكلامها ومنحته أعلى علامة بعدما أجاد في طرح الموضوع وتقديمه، وعندما جاء اسم أ. محمد موعد في جدول المعيدين كانت هي أول شخص قام بإخباره بهذه النتيجة، وحول هذا يقول «ما حصل معي يعكس شخصية الأستاذ الجامعي الحريص على طلابه، الأستاذ الجامعي القدوة الذي يتعلم منه الطلبة السلوك والخلق الكريم قبل العلم، فقد تعلمت من هذه الحادثة أن الأستاذ الجامعي هو الذي لا يتفرد برأيه، بل ينصت للرأي الآخر، حتى لو كان هذا الرأي يصدر عن طالب في المرحلة الجامعية الأولى، فهي قبلت أن أعد حلقة بحث من غير ما اختارته لنا من موضوعات… ولم تصادر رأي طالب في مقتبل العمر، بل شجعته إلى أبعد مدى عندما لمست صحة العزم منه، فأجلسته على كرسي الأستاذ الجامعي، وهو في وقت ربما لا يكون أهلا كي يعطي درسا لطلاب المرحلة الثانوية».

كلمة في جهود التأليف
من جانبها تحدثت د. ماجدة حمود عن د. مريدن التي «اختطت طريقاً جديداً في زمن كان معظم الدارسين يحتفون بالشعر التراثي، مساهمة بإطلاع طلابها على أحد أطوار الشعر العربي، الذي وصل إليها، وهو شعر التفعيلة، متابعة د. حمود في حديثها حول النهج الذي كانت تتبعه د. مريدن في دراستها «كانت مهمومة بأن تكون ثورة الشعراء ثورة تجمع الأصالة والمعاصرة، لهذا نال إعجابها أولئك الذين لم ينفصلوا عن تراثهم الشعري، فظلوا يستلهمونه، وفي الوقت نفسه حاولوا أن يضيفوا إليه بعض ما تأثروا به أثناء اطلاعهم على الشعر الإنكليزي وبذلك انفتح هذا الشعر على التاريخ والأسطورة، وانتبه إلى الإيحاء الرمزي للغة!
وبينت أن حركة تجديد هذا الشعر، تجاوزت الأوزان التقليدية القديمة التي ملّها الشعراء، إذ كانت مهمومة بأن تقتفي أثر أوزان الشعر الغربي… إلخ، فتحرر الشعر من النمط الإيقاعي المألوف في الشعر العربي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن