قضايا وآراء

الموقف الأميركي والنيات التركية

| رزوق الغاوي

في سياق ما عودتنا عليه من فبركة الادعاءات والمزاعم، ومحاولة إلصاق التهم الباطلة بالجيش العربي السوري، تقوم طائرات التحالف الدولي بتدمير مباني البلدات السورية فوق رؤوس أهلها الآمنين من الأطفال والنساء والشيوخ، ولعل تدمير الرقة ومناطق أخرى في محافظة دير الزور وتسويتها بالأرض أكبر شاهد على الإجرام الأميركي، بينما تواصل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ارتكاب الجرائم بحق الشعب السوري وتدريب العصابات الإرهابية عبر الحليف التركي وتزويدها بالسلاح الكيميائي وغير الكيميائي، ماضية بالهروب إلى الأمام في تعاطيها مع المسألة السورية، وخاصة بعد ما حققه الجيش العربي السوري من تقدم في معظم المناطق السورية جنوباً وشمالاً وإعادتها إلى السيادة السورية.
في أعراف العمل السياسي يمارس الهروب إلى الأمام عادة ممن يعيشون مأزقاً لا يجدون له مخرجاً، وهذا أمرٌ ينطبق تماماً على الإدارة الأميركية الحالية التي تعاني هذه الأيام جملة من المسائل والأزمات والحالات المعقدة بسبب مواقفها الملتبسة وممارساتها العدوانية تجاه بلدان العالم وشعوبه، وتحالفاتها الاستراتيجية وتفاهماتها التكتيكية غير المكتملة لغاية في نفس ترامب ومستشاره للأمن القومي جون بولتون وغيرهم من المسؤولين الأميركيين.
في السياق تبدو مفيدة الإشارةُ إلى أهم المسائل والأزمات والتحالفات والتفاهمات المتمثلة بـ:
• المسألة السورية وتطوراتها وتداعياتها بسبب الاحتلال الأميركي لأراضٍ في الشرق السوري.
• الدعم الأميركي للحليف التركي الذي يعمل على تكريس احتلاله لبعض الأرض السورية.
• التبني الأميركي لمصالح ركيزته في المنطقة «الكيان الصهيوني» الذي يحتل أراضٍ سورية.
• الخلاف بين واشنطن والحلفاء الأطلسيين الأوروبيين حول بعض قضايا الحلف الأطلسي.
• تداعيات الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران وآثاره السلبية على الأوروبيين.
• تورط واشنطن غير المباشر في العدوان السعودي على اليمن، والدعم العلني لهذا العدوان.
• الخلاف الراهن الذي تفتعله واشنطن مع الصين بسبب بعض المواقف السياسية الصينية.
• التسويف الأميركي الصريح في الحوار مع الجانب الروسي، بغية إخراجه عن مساره المأمول.
• تأرجح المواقف الأميركية يعرقل جهود موسكو الرامية لإيجاد الحلول لقضايا دولية وإقليمية.
• فضلاً عن المشكلات التي تواجهها واشنطن في بعض بلدان إفريقيا وأميركا اللاتينية، وخاصة بعد نشوء تجمعات سياسية واقتصادية مناهضة للسياسة الأميركية «البريكس وشنغهاي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي».
في ضوء ما تقدم، تعمل واشنطن مجدداً على خلط الأوراق في الساحة السورية بغية إطالة أمد الأزمة فيها وخاصة بعد الإنجازات الميدانية الكبرى التي حققها الجيش العربي السوري، وذلك من خلال العدوان الأميركي المشهود على عدد من المناطق السورية الآهلة بالسكان وتدميرها وارتكاب مجازر دموية فيها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية إعطاء الضوء الأخضر لسلطنة رجب طيب أردوغان العثمانية لتكريس احتلالها لأراضٍ سورية وفرض إجراءات إدارية وديموغرافية فيها تمهيداً لمحاولة سلخها عن الوطن الأم ومن ثم تتريكها على غرار ما أصاب لواء اسكندرون عند مطلع القرن الفائت، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الاحتلال التركي عمل على إصدار بطاقات هوية جديدة باللغتين العربية والتركية لـمئة وأربعين ألف سوري في مدينة الباب ومحيطها، وإصدار لوحات ترخيص للسيارات في منطقة درع الفرات وذلك في إطار سعي أنقرة لإلحاق هذه المناطق بالدولة التركية.
يمكن القول إن إدارة ترامب تعيش حالة من الارتباك تضعها لدى البحث عن حلول لبعض الملفات المعقدة، أمام ملفات جديدة أكثر تعقيداً، ويبدو واضحاً مدى هذا الارتباك الذي يعتري تلك الإدارة المحكومة بإملاءات صقور الكونغرس والـ«سي آي إيه» والبنتاغون، ناهيك عن إملاءات اللوبي الصهيوني، ما جعل من هذه الإدارة مثلها مثل الإدارات الأميركية السابقة، مجرد «دمى» تحركها تلك المؤسسات، وهذه حالة من شأنها، وهذا ما تسعى إليه واشنطن وأنقرة وتل أبيب والسعودية، عرقلة الجهود المخلصة الرامية لإغلاق الملف السوري، وتوظيف الواقع الراهن في الشرق السوري وفي شمال غرب البلاد واستغلاله، لوضع العصي في عجلة المسير باتجاه التوصل إلى حلٍ للمسألة السورية يكفل السيادة الوطنية على كامل التراب السوري والشروع تالياً في إعادة إعمار ما دمره العدوان الأميركي العثماني الصهيوني الرجعي العربي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن