ثقافة وفن

العين بالمأثور الشعبي

| منير كيال

لا يستطيع دارسو التراث الشعبي تجاهل التطورات التي تطرأ على السلوك التقليدي للإنسان لأن تلك التطورات، ليست إلا حصيلة ممارسات مضى عليها الزمن، ثم ظهرت بثوب وقالب معاصر، يتلاءم مع الظروف المعيشية، وبالطبع فإن تلك التطورات قد تكون حصيلة تلاقح حضاري مع بيئة أخرى، ذلك أن أي سلوك أو ممارسة جديدة لا يقبلها الوجدان الجمعي ما لم تكن مستجيبة للأوضاع التي طرأت على حياة المجتمع ومعطيات حياته المعاصرة.
وكان من ذلك العين، فقد كانت العين في المأثور الشعبي ترتبط بجملة من المعتقدات الشعبية التي تتولد عنها ممارسات وتحفظات سلوكية قد تبدو غريبة عن معطيات الحياة المعاصرة.
ونذكر من ذلك تطيرهم من المرء الذي عيناه زرقاوان، وأسنانه الأمامية متباعدة فيقولون فيه:
عيونه زرق وأسنانه فرق.
كما يتطيرون من نظرة المرأة إلى وليد امرأة ولم تصلّ على النبي (ص)، فيرقينه من أذى تلك النظرة بقولهن:
حوطتك بآيات الله، ومن العين «المئزية» (من الأذى)، وقد يرقينه بقولهم:
«حندق بندق، عين تشوفك وما تصلي على النبي تطق وتنبق».
وكان من الأدعية التي ترد أو تبعد أذى العين قولهن:
«أعوذ بكلمات الله التامّة، من كل شيطان وهامّة، وعين لامّة». وقد يتبعن ذلك بقولهن:
«خزيت العين».
وإذا أصيب الطفل بمرض، يقلن إنه منظور إذا أصابته نظرة من امرأة أخرى عاقر أو حسود، وعوضاً من أخذ الطفل إلى الطبيب، فإن الأم أو الجدة تأخذه إلى من يرقيه، بجملة من الأقوال التي يعتقد أنها ترد عين الأذى أو الحسد عن ذلك الطفل، أما العلاج فيكون بالتبخيرة.
تكون التبخيرة، من ملابس وحاجات سبعة أشخاص، ومن سبع نثرات من زوايا عدد من الحصر (مفرد حصيرة)، وقطعة من الشبة، وقليل من ملح الطعام، فتخرج هذه المواد بمنقل (موقد) ويمرر الطفل فوقها سبع مرات.
وقد تكون هذه التبخيرة من سبع حبات من مادة الفلفل الخشن، وسبع «دراس ملح» خشن مع ورقة عنب (يبرق)، فتحرق هذه الأشياء، ويمرر الطفل فوقها ثلاث مرات.
وإذا ولدت امرأة طفلاً بعد إنجابها عدداً من البنات فإنها تكون شديدة الخوف عليه من عيون الأخريات فتطلق على الطفل اسم بنت غير اسمه الحقيقي، وقد تعمد إلى ضفر شعر رأسه كالبنات، وتزينه بحلي أنثوية، كما تلبسه ثياب البنات، وتضع بمعصمه سواراً من الخرز الأزرق، رداً لأعين الحاسدات.
وكنا إلى عهد قريب، نلحظ بكثير من الحوانيت والمقاهي في الأحياء الشعبية، قطعة من الورق المقوى (الكرتون) مرسوماً عليها بالألوان كفّ يد مرسوم بباطنها عين كبيرة، وقد كتب بأعلاها:
لله درّ الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقلته.
وكتب بأسفل هذه الورقة عبارة:
عين الحسود فيها عود.
أو فتصاب العين بالعمى، وينطفئ نورها وتصبح أيام صاحبها سوداء، حتى يكف عن حسد الآخرين، ويتمنى زوال النعمة عنهم بقولهم:
عين الحسود تبلى بالعمى.
ومن الممارسات التي كان يأخذ بها العامة لرد أذى العين بذلك الحين:
أن يعلّق المرء بمدخل داره، أو بمكان من دكانه حدوة حصان، ومنهم من يضع بجيب المسافر صرّة فيها بعض الملح، وكذلك منهم من كان يعلق بسيارته، فردة حذاء صغير لرد أذى عين الحساد.
وكانت العروس تلصق على باب زقاق البيت الذي يكون به العرس قطعة من خميرة العجين، تيمناً بالخير والبركة ورداً لأعين الحساد عنها كما قد يعلقن برقبة الفرس أو الحصان الذي ينقل العروس إلى بيت العرس فردة حذاء صغير رداً لعين الحساد.
وفي الختام، لعل أن نجد من يتساءل عن جدوى أمثال هذا البحث بمثل هذه الأيام، الأمر الذي يجعلنا نبرّر ذلك بالقول: إن الأبحاث التي تنحو هذا النحو، إنما تقدم معيناً للدارسين والباحثين، لأحوال المجتمع وأطواره، وصولاً إلى ما هو عليه هذا المجتمع من تعايش، فما نراه حولنا من تراث حضاري ومادي وفكري فإنما هو حصيلة لقاء الإنسان بأخيه الإنسان وتفاعله معه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن