ثقافة وفن

تحت شعار «مجتمع يقرأ.. مجتمع يبني».. معرض الكتاب يتابع رحلته … معرض الكتاب جزء من الذاكرة المكانية والشعبية لمدينة دمشق وظاهرة اجتماعية غنية بالنشاطات

| سارة سلامة – ت: طارق السعدوني

تحت سماء دمشق وفي مكتبة الأسد الوطنية يعود الكتاب ليتباهى بعراقته في عاصمة لا تعرف الاستسلام، وهي معشقة بالثقافة والفن محاولة لملمة جراحها لتعود وتكون منارةً للكلمة واللغة والشعر والرواية، وتحت شعار «مجتمع يقرأ.. مجتمع يبني» اُفتتح معرض الكتاب بدورته الثلاثين بمشاركة سورية وعربية وأجنبية وصلت إلى 200 دار نشر، ويتخلل المعرض ندوات فكرية وأمسيات شعرية وورش عمل إضافة إلى أكثر من 55 حفل توقيع كتاب، وأنشطة خاصة بالأطفال، كما سيشهد عروضاً سينمائية لأحدث إنتاجات المؤسسة العامة للسينما.
ومهما بلغت سطوة الإنترنت وانتشار الأجهزة الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي فإن الكتاب يبقى الأهم والأصدق فهو يحقق لنا ألفة ومتعة حقيقية عند قراءته ويرسخ كل ما نتلقفه في أذهاننا، بعكس مفعول الإنترنت الذي ينقلنا من صفحة إلى صفحة ويشتتنا وربما لا يتمتع بمصداقية، لذلك نحن بحاجة حثيثة اليوم إلى تربية الجيل وتثقيفه وتعليمه منذ الصغر على القراءة وإدخال الكتاب ضمن برنامج نشاطاته من خلال القصة والرواية وغيرها.
وفي الاطلاع على أجنحة المعرض نرى أن هناك محاولات كبيرة للبقاء والوجود والانتصار والعمل على تمكين الثقافة في مجتمع عانى لسنوات، ويشهد هذا العام نشاطاً على مستوى التنظيم والمشاركة وهناك أكثر من 100 ألف عنوان، وتراوحت الحسومات بين 60 إلى 30 بالمئة حسب كل دار نشر، وللتعريف ببعض أجنحة المعرض ودور النشر وتفاصيل أكثر كان هذا التقرير.

جزء من الذاكرة

وأثناء تجوله في المعرض أكد معاون وزير الثقافة المهندس علي المبيض أن: «معرض الكتاب بدورته الحالية أضحى جزءاً من الذاكرة المكانية والشعبية لمدينة دمشق، وتتميز هذه الدورة بتنظيم عالٍ حيث تمت متابعتها من وزير الثقافة محمد الأحمد وتشكيل عدة فرق ولجان للاطلاع على المنشورات والكتب التي تعرض في المكتبة على مدار اليوم، وتكون منسجمة مع ثقافة السوريين، وكي لا يتم إدخال أي عنوان غير متناسب مع مفاهيمنا، وتجنباً لإدخال أي كتاب يخرب الوحدة الوطنية ويسيء للسوريين، خاصة أن الهجمة التي يتعرض لها قطرنا تتضمن بين طياتها الهجمة الثقافية».
ويتابع المبيض حديثه حيث يقول إن: «المشاركة هذا العام كانت لأكثر من 200 دور نشر سورية وعربية، وتضمنت أكثر من 100 ألف عنوان، وشكل المعرض تظاهرة تعيد للذاكرة صورة دمشق الحقيقية التي تعاقب عليها العديد من الحضارات».
ومع التراجع الواضح لدور الكتاب يقول المبيض إنه: «لا شك بأن دور الكتاب تراجع ولكن ما زال هناك قيمة له ولتلقي الثقافة من خلاله، وتسعى وزارة الثقافة ضمن مهامها وأولوياتها إلى تكريس دور الكتاب وتعزيز دوره، وذلك من خلال إقامة هذه الأنشطة والمعارض التي تضمن حسومات وذلك ليستطيع أي كان اقتناء الكتاب».
وعن التفاوت في نسبة الحسومات قال المبيض إن: «التفاوت يرجع لدور النشر وذلك له علاقة بالمنافسة، وإن كل دار لديها تكاليف معينة وسياسة في البيع ولكن بشكل عام كلها تخضع للحسومات وهذا الشيء انعكس على المبيعات».
وانهى المبيض حديثه قائلاً إن: «دمشق كما كانت منبعاً للثقافة فهي تصر على إرسال رسائل للداخل والخارج بأنها ما زالت تحتفظ بهويتها الثقافية والحضارية».

نحرص على الحضور في المعارض

ومن جانبها قالت عبير عقل مديرة دار عقل للدراسات والترجمة إننا: «نحرص بشكل دائم على أن نحضر في أغلب المعارض الدولية والعربية فكيف إذا كان المعرض في قلب دمشق، وتتجه كتبنا في 5 اتجاهات وهي الأدب العالمي وتحته ننشر إبداع العرب سواء أكانوا سوريين أم عرباً من قصة ورواية وشعر ومسرحية، والاتجاه الثاني هو عن الأدب العالمي وننشر تحته الإبداع الأدبي المترجم من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية ولا نترجم إلا من اللغات الأم، والاتجاه الثالث هو الأبحاث والدراسات وننشر فيه دراسات أكاديمية وأبحاثاً محكمة قد تكون رسائل ماجستير أو دكتوراه، والاتجاه الرابع هو نادي الطفولة وننشر فيه كتب الأطفال والناشئة ونعتني بالمضمون والشكل، والاتجاه الخامس تحت مسمى التمكين والتطوير وننشر تحته كتب التنمية البشرية وتطوير الذات والطاقة الإيجابية وما إلى ذلك»، مضيفةً إن: «هناك الكثير من الشباب يقبلون على الرواية حيث يقال إن هذا العصر هو عصر الرواية وتختلف الأذواق في القراءة لأنها قد تكون بحسب الميول والرغبة وقد تكون بسبب الحاجة، وفكرة المعرض مهمة لأنها فرصة للتعريف بنا وبنتاجنا المعرفي وخاصة أنه يحظى بدعم حكومي معين وتسويق وإعلان، ما يعني أن حضورنا به هو فرصة لمعرفتنا من الناس أكثر».
أما عن الحسومات فقالت عقل إننا: «نقوم بحسومات عالية جداً تصل إلى 50 بالمئة وأقلها 25 بالمئة، ونفضل أن نبيع بسعر التكلفة على ألا نشارك بمعرض في قلب مدينتنا التي مرت بظروف صعبة ولكن من خلال هذا المعرض وغيره نؤكد للعالم أجمع أننا انتصرنا على الإرهاب».

وبينت عقل أنه: «من خلال مشاركتنا في المعارض العربية لاحظنا أن الكتاب السوري يحظى بأهمية كبيرة وإقبال واسع وهناك الكثيرون من القراء في دول الخليج العربي والمغرب العربي يسألون عن كتب مترجمة من خلال مترجم سوري لأنهم يثقون بالمترجم السوري وباللغة العربية لدينا، ومتعارف على أن الكتب الصادرة عن سورية هي أقل الأخطاء في اللغة العربية، وكما يقال إن اللغة العربية تزهو بنفسها في سورية وهذا مدعاة فخر لنا ويحملنا مسؤولية كدار نشر».
وتضيف عقل إن: «الدار تشارك أيضاً في جناح باسم مؤسسة «new era»، وهي مؤسسة أوروبية دنماركية، ويعتبر هذا اشتراكاً دولياً مباشراً، علماً أننا وكلاء هذه المؤسسة وممثلوها الحصريون في سورية بشكل دائم، إلا أننا لم نقبل الاشتراك باسمها كوكالة بل احضرنا طلباً بالاشتراك مباشراً موقعاً من الدنمارك باسمها حتى تعتبر مشاركة دولية مباشرة لما في ذلك من رفع مستوى المشاركة في المعرض، ونقوم بالإشراف على الجناح بحكم معرفتنا بكتبهم وعلاقتنا القديمة معهم، حيث تركز كتبهم على تطوير الذات والتنمية البشرية ويعتبر كل كتاب منهجاً كاملاً في تطوير الذات».
وتفيد عقل أن: «المؤسسة كان لها مساهمة كبيرة في سورية خلال سنوات الأزمة حيث قامت في العام 2014 بإحضار منحة كتب مجانية خاصة بتطوير الذات وتم توزيعها بشكل مجاني على المكتبات العامة والمراكز الثقافية في العام 2014، وقامت في العام 2016 بحملة إنسانية ومشروع ثقافي إنساني يسمى «الطريق إلى السعادة»، وهو عبارة عن آلاف النسخ وتم توزيعها مجاناً إلى مختلف شرائح المجتمع في كل المحافظات السورية رغم الظروف التي كانت تعوق هذا التوزيع وهي مدونة أخلاقية تدعو إلى التمسك بالقيم والأخلاق ويستطيع الإنسان عبر تطبيقها في حياته اليومية الوصول لحالة اصطلح عليها السعادة وهي أن يكون الشخص قانعاً وهادئاً وراضياً ومحترماً للقانون».

إعادة الإعمار تبدأ بالفكر

ومن جانبه يقول نزار بسطاتي من مؤسسة «sama st» لصناعة الوسائل التعليمية إن: «الكتب التي نقدمها لا تأخذ معنى الكتاب المتعارف عليه لأننا نقدم منتجاً تفاعلياً للأطفال، بين التسلية والهدف التعليمي مثل «البزل» وتعليم الرسم والتلوين للأطفال، ولا شك أن الأسعار في المعرض مخفضة بين 25 حتى 40 بالمئة، ومنتجنا يصل إلى 35 بالمئة، وأهمية المعرض كبيرة لأننا نتواصل مع زبوننا المباشر ونأخذ منه تقييماً لمنتجنا، ويقدم لنا المعرض الانتشار والدعاية والإعلان، وهذا العام يحمل المعرض خصوصية نتيجة التعافي من حرب مريرة وكلنا أمل بأن سورية متوجهة إلى مستقبل أفضل وإعادة الإعمار تبدأ بالفكر قبل الحجر والبناء».
ويقول أمجد ترجمان من دار الربيع للنشر إن: «منتجات الدار تستهدف الأطفال من عمر السنة إلى 10 سنوات، بالإضافة إلى مرحلة رياض الأطفال ووسائل تعليمية للروضات وقصص تتضمن الصورة والكلمة، ووسائل تفاعلية حديثة وهي القصة مع الأصوات والألعاب التعليمية وبعض الروايات العالمية المختزلة للأطفال، ولدينا جناح مخفض وما يميزنا هو الجودة العالية من خلال المحتوى والورق، وبشكل عام نبيع بسعر الكلفة حتى نستقطب أكبر عدد من الجمهور».

بحاجة إلى عناوين وإصدارات وكتّاب جدد

ومن جهته يقول محمد المولى من دار المعارف اللبنانية إن: «منشوراتنا موجهة للأطفال، وهذه المرة الأولى التي نشارك فيها بعد الأزمة ولا شك أن لمعرض دمشق أهمية كبيرة لنا، ونرى أن كتبنا يجب أن تسوق في سورية فالشعب السوري بحاجة بعد هذه الحرب إلى المطالعة والدراسة والثقافة وبحاجة إلى عناوين وإصدارات جديدة وكتّاب جدد، ونركز على إثارة انتباه الطفل من خلال حركات معينة حتى يحب الكتاب ولا ينفر منه، وعلى الرغم من وجود الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي فلا يوجد شيء يغني عن الكتاب، وأعتبر أن الإنترنت يضيع الطفل أكثر مما يهديه، لذلك يجب أن نعود ونشجع الطفل على قراءة الكتاب، ومع الفروقات بين الدولار والليرة السورية فإننا نعمل على تقديم سعر مناسب».
ويقول مهيار كردي مدير دار نشر «مؤمنون بلا حدود» للنشر والتوزيع : «لنا مؤسسة ومركز أبحاث في المغرب ودار نشر في بيروت، وتعتبر هذه المشاركة الثالثة لنا وبالنسبة للكتب المغربية فهي كتب فكرية فلسفية للدكتور عبد اللـه العروي والدكتور عبد الإله بلقديس، و«مؤمنون بلا حدود» هي عبارة عن فلسفة وفلسفة أديان ونقد أدبي وتنوير الدين الإسلامي وتجديده، وهناك إقبال كبير على هذه الكتب لأن الناس تحب أن ترى التطور ولم يريدوا الإسلام المغلوط وكتبنا تحمل تجديد التعليم الديني وتجديد الفكر الإسلامي وتتضمن فكراً جديداً ومتنوراً، ولاحظنا ضعف القوة الشرائية في سورية ورغم أن الكتب مكلفة فإننا نقدم حسومات تصل إلى 50 و60 بالمئة، كي نساعد قدر الإمكان المواطن السوري ودكاترة الجامعات والطلاب أن يقتنوا الكتب، وتعود أهمية معرض الكتاب هذا العام إلى أن سورية تعدت الأزمة واتجهت نحو الأمام، وبرأيي إن المعرض القادم سيشهد تعافياً ودور نشر أكثر».

شعوب تسقط وتنهض

وتشير اعتدال شمة أمينة سرّ مجلس الإدارة وعضو مكتب العلاقات العامة في هيئة الموسوعة العربية إن: «الجناح يقدم مجلدات شاملة للمعرفة من أنواع العلوم، والموسوعة العربية تشمل كل أنواع العلوم من خلال 22 مجلداً مع فهرس ومعجم مصطلحات، وهناك مجلد الموسوعة الطبية والقانونية والعلوم والتقانات، ونهدف إلى نشر العلم والقراءة وأن يكون في كل بيت موسوعة لأن الموسوعة العامة تغني عن أي كتيبات، وهي مراجع ممكن للبكالوريا والكفاءة، ونحن نعمل على تشجيع الناس على القراءة لما تحققه من متعة وترسيخ في الذاكرة على حين التصفح عبر الإنترنت يكون سريع النسيان، كما أنه لا يحمل مصداقية».
ومن جانبه يقول شيخ الوراقين صلاح صلوحة وكيل دار الكتاب العربي إن: «هذا الجناح مختص بكتب لها علاقة بالتنمية البشرية والروايات، والكتب تختلف هنا عمّا أبيعه تحت الجسر فهناك أبيع الكتب المستعملة والطبعات القديمة أما هنا فالطبعات جديدة ومكلفة لذلك الأسعار تكون مرتفعة نسبياً ولكن التخفيض عندنا يتراوح بين 20 و30 بالمئة، وتأتي أهمية المعرض في الالتقاء مع الكثير من المثقفين والأدباء وهواة الكتب والقراء، والمعرض هذا العام نشط أكثر من السنة الفائتة من خلال دور النشر وعدد المشاركين فيه».

وتقول يسرى رفاعي من المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر: «إن المركز يهتم بترجمة أساسيات العلوم مثل الفيزياء والكيمياء والطب والهندسة والصيدلة من اللغة الأجنبية إلى اللغة العربية كمراجع لطلاب الجامعات ومتخصص بالعلوم الأساسية، وإن الطلاب يقصدوننا لاقتناء هذه الكتب المتخصصة التي تناسب مجال دراستهم وعليها إقبال كبير، وتشكل هذه الكتب مراجع حقيقية لهم، وهدفنا وجود الكتاب عند كل طالب، والحسم لدينا يتراوح بين 30 و50 بالمئة حسب الكلفة، فمثلاً كتاب «طب الكوارث» سعره خارجاً 5000 على حين في المعرض يباع بـ3000 ليرة فقط».
وتقول رنا دالاتي مديرة جناح دار المناهل:« إن الدار سورية ولكننا أخذنا وكالة دار نشر مصرية والكتب مختلفة العناوين وكان تركيزنا على الروايات التي تجذب فئة الشباب وكتب تنمية القدرات مثل كتب إبراهيم الفقي وغيره، وأهمية المعرض تأتي من إسهامه بنشر الثقافة مع العلم أن كتبنا ليست مبيعة في الخارج وهي مقتصرة حصراً على المعرض».

دعم القارئ السوري

بينما يقول عبد القادر إسطنبولي مدير دار إسطنبولي للنشر في حلب: «إن الجناح يقدم الروايات ثنائية اللغة للناشئة وتساعد على تعليم وتقوية اللغة الإنكليزية والفرنسية وهي كتب موجهة للأطفال، وقصصاً هادفة وروايات أدب عالمي، ونطبع قصص الأطفال في حلب، أما الروايات فتطبع في دمشق، ولا شك أن الحرب أثرت فينا وأصبح هناك ضعف في القيمة الشرائية، حيث ارتفع كل شيء عشرة أضاف إلا أن الكتب ارتفع سعرها من 5-4 أضعاف، وانخفض المبيع 10 بالمئة نتيجة الظرف الاقتصادي».

على حين يقول مدير دار المدى إيهاب القيسي «نحن نركّز على الأدب والرواية والشعر والقصص والسير ومذكرات الأدباء وبعض الدراسات الفلسفية والأدبية وحالياً نركز على الكتاب المترجم من اللغات العالمية إلى اللغة العربية، والإقبال أعتبره ممتازاً مع تأزم الوضع الاقتصادي للناس لذلك حاولنا أن نقدم تخفيضات تصل إلى حد 60 بالمئة، وهذا أول عام نشارك فيه بعد 8 سنوات من الحرب، وجاءت مشاركتنا كعراقيين لدعم القارئ السوري والالتقاء بالمؤلفين والمترجمين والقراء وسماع رأي القارئ بكتبنا لأن القارئ السوري قارئ نوعي ونخبوي، ودار المدى هي أساساً دار سورية أسست في سورية عام 1994 عندما كان النشر ممنوعاً في العراق، وعدنا للعراق في عام 2003 ولكن بقي مكتبنا في دمشق، إلى حين اندلاع الحرب، ودار المدى ربت أجيالاً على كتبها من الشباب السوريين والكتّاب والطلبة، ولدينا مؤلفون عراقيون وسوريون ومترجمون من كل العالم، وفي كل حرب هناك تأثير سلبي لكن بصورة عامة الشعب العربي شعب قوي مرّ بأزمات كبيرة منذ 500 سنة إلى اليوم، ومنذ سقوط بغداد عام 656 والعرب يعيشون في ويلات ونحن شعب يسقط وينهض ودمشق ستبقى واقفة شامخة أبداً».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن