قضايا وآراء

سورية.. المساحة السياسية

| مازن بلال

أوجد لقاء سوتشي الأخير إشكالية على مستوى الحل السياسي في سورية، فشكل تحولاً في مهام الدول الضامنة ليجعلها مسؤولة بشكل مباشر عن خلق المخارج للأزمة؛ الأمر الذي دفع الولايات المتحدة لرفض المشاركة في سوتشي، معتبرة أن مرجعية جنيف هي الأساس لأنها تعتمد على قرارات مجلس الأمن، والمأزق الحقيقي هنا هو في أطراف التفاوض التي تحوّل التمثيل فيها من الطرف المحلي باتجاه التوازنين الإقليمي والدولي.
عملياً فإن الانفراج العسكري الواضح، رغم أحداث السويداء المأساوية، يفرض التعامل بشكل أكثر مرونة مع التفاوض السياسي، إلا أن الواقع يفرز تعقيدات خاصة تتعلق بنوعية التوازن المطلوب في سورية، وتبدو المواضيع الإنسانية هي الأكثر حضوراً كبوابة لخلق حالة التوازن المطلوب، فهو يؤمن مطلبين أساسيين:
– الأول: دخول القوى والفعاليات الموجودة في الخارج إلى سورية تحت عنوان عودة السوريين في الخارج، وتؤمن هذه العودة ديناميكيات جديدة ترضي بعض الأطراف الإقليمية والدولية.
إن مثل هذه العودة ستشكل بالنسبة لروسيا، على وجه التحديد، ضامناً أساسياً لإدارة ملفات الأزمة السورية، فهي ستؤمن «علاقة ثقة» جديدة مع أطراف كانت حتى وقت قريب ترفض الدور الروسي، وتعتبره منحازاً للدولة السورية، ولكن في المقابل فإن أي عودة للأطراف السورية الموجودة في الخارج سيشكل تنازلاً دولياً وإقليمياً لمصلحة موسكو، وتعمل بعض الدول وعلى الأخص فرنسا إلى الدخول بالدور الإنساني من خلال هذه البوابة وذلك لضمان أدوار سياسية اقتصادية مستقبلية.
– الثاني: إنهاء فوضى المساعدات التي تذهب بشكل غير منسق إلى الأراضي السورية كافة، فهذه المساعدات بشقها المدني، أي دعم المبادرات، لا تملك بوابات شرعية باتجاه المناطق السورية، على حين تتبعثر المساعدات الإنسانية خارج أي إطار إستراتيجي يساعد على إنهاء المعاناة الإنسانية بشكل تدريجي.
تبدو العقدة الأساسية فيما قدمه لقاء سوتشي في نقطة البداية للحل السوري، فالعناوين الإنسانية تبقى حلولاً لتسهيل التفاوض، على حين يبرز موضوع الدستور وغيره من المواضيع ليكسر رتابة العملية السياسية في جنيف، ويضعها مباشرة على طاولة التوازنين الإقليمي والدولي، ويطرح في الوقت نفسه طبيعة الاستقرار القادم وذلك بعد إنهاء أهم عقدة في هذا التوازن في منطقة الجولان، فنحن اليوم أمام استحقاق بناء العلاقات مع بعض الدول التي كانت سبباً في الأزمة السورية وعلى رأسها تركيا.
في السياسة لا يوجد عدو دائم، ولكن القضية مع تركيا ستبدو مختلفة كلياً، فهي قلصت طموحها في سورية إلى منع ظهور حالة كردية متميزة، وإيجاد ضمانة في الشمال السوري لإفشال مناطق الإدارة الذاتية، وخلقت واقعاً بين مدينة الباب وعفرين يعرقل المشروع الكردي، ولكنه واقع هش لاعتماده على فصائل مسلحة متنافرة نتيجة تجميعها من مناطق مختلفة، وعدم قدرتها على بناء مشروع منسجم مع وحدة الأراضي السورية.
يمكن للتوازن في العلاقة بين دمشق وأنقرة صياغة شكل جديد لشرقي المتوسط، ولكنه توازن مشروط بتوافق سوري متين يحد من المحاولات التركية لفرض شكل سياسي محدد على سورية والمنطقة، فنموذج «العدالة والتنمية» التي تريد أنقرة تعميمه رغم كل الخيبات التي أصيبت بها ابتداء من مصر، سيبقى قائماً لأنه يشكل حلماً بدور تركي قوي من المتوسط باتجاه آسيا، ومواجهته ستحتاج إلى توافق سوري قوي بما يخص الشمال السوري، وإلى عدم ترك مجال لأي دستور جديد كي يرسم مشهداً سياسياً يستطيع التركي أو غيره النفاذ منه، وهذا الأمر لن يكون في سوتشي أو أي مكان آخر، فهو مرهون بالداخل السوري وببناء علاقة مختلفة تجعل الحوار السوري أساسياً، وتبنيه على أرضية لا تتعلق بالنخب السياسية التي تسعى لإدارة التفاوض، بل من أرضية أكثر متانة تبدأ من المجتمعات المحلية التي كانت وقود الصمود خلال هذه الأزمة، فهي المعنية بالحوار لأنها تدرك أهمية البقاء على الجغرافية السورية والدفاع عنها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن