قضايا وآراء

الدعوة لإقامة إقليم البصرة مجدداً!

| أحمد ضيف الله

منح الدستور العراقي الذي أُقر خلال الاحتلال الأميركي والبريطاني للعراق والذي أصبح نافذاً بتاريخ الـ28 من كانون الأول 2005، في مادته الـ«119» الحق لكل محافظة أو أكثر في تشكيل إقليم بناءً على طلبٍ بالاستفتاء عليه يقدم بإحدى طريقتين، إما بطلبٍ من ثلث الأعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تريد تكوين الإقليم، أو بطلبٍ من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تريد تكوين الإقليم.
وكان مجلس النواب العراقي قد أقر بجلسته الحادية والأربعين في الـ11 من تشرين الأول 2006 مشروع قانون «آليات وإجراءات تشكيل الأقاليم»، الذي قدمه الائتلاف العراقي الموحد بدعم من التحالف الكردستاني، بأغلبية صوتين، حيث صوت جميع النواب الحاضرين الـ«140 نائباً» بالإجماع عليه من أصل «275 نائباً» عدد نواب المجلس، مقراً في الوقت ذاته التعديلات التي طلبها رافضو ومعارضو القانون الذين قاطعوا جلسة إقراره.
ومع اندلاع سلسلة التظاهرات والاحتجاجات التي بدأت في محافظة البصرة في الـ8 من تموز 2018، والتي ما زالت مستمرة على الرغم من أن حديتها قد خفت. أعلن وليد كيطان رئيس مجلس محافظة البصرة وكالة لصحيفة «الحياة» في الـ24 من تموز الماضي، أن «المجلس جمع تواقيع 15 من أعضائه من أجل إنشاء إقليم في البصرة، وإرسال هذا الطلب إلى بغداد ليأخذ إجراءاته القانونية والدستورية، تمهيداً لاستفتاء سكان المحافظة في ذلك»، موضحاً أن «الدستور ينص على أن يُقدم ثلثُ أعضاء مجلس المحافظة طلباً لإنشاء الإقليم، ما يعني جمع 12 توقيعاً في البصرة، لكننا جمعنا أكثر من ذلك العدد»، مبيناً أن «المجلس سيرفع الطلب إلى مجلس الوزراء، وبعد 15 يوماً سيَرفع الأخير الطلب إلى مفوضية الانتخابات تمهيداً لتحديدها موعداً للاستفتاء خلال 3 أشهر، وستقوم الحكومة المحلية حتى ذلك الوقت بتهيئة مستلزمات الاستفتاء».
إن الأصوات المطالبة بإقامة إقليم البصرة، ليست جديدة ولا هي وليدة التظاهرات والاحتجاجات الحالية، إذ إنها تخرج للعلن وتتصاعد مع بدء الحملات الانتخابات المحلية والنيابية، وكلما وقعت أزمة بين الحكومة المحلية وحكومة المركز، للضغط عليها، وهي في كل مرة، تخلف عند إطلاقها انقساماً بين المواطنين وآخر بين السياسيين.
فقد سبق أن فشلت أول محاولة لجعل البصرة إقليماً، نظمها ناشطون وسياسيون ونواب بقيادة النائب السابق المستقل وعضو مجلس الحكم العراقي السابق والوزير سابقاً رئيس حزب الدولة القاضي وائل عبد اللطيف، حين قدموا طلباً لرئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق في الـ10 من تشرين الثاني 2008، مدعوماً بتواقيع أكثر من 34 ألف عراقي من محافظة البصرة، لإجراء استفتاء شعبي لتحويل محافظتهم إلى إقليم فدرالي، الذي جرى الاستفتاء عليه خلال الفترة من «15 كانون الأول 2008» ولغاية «19 كانون الثاني 2009»، في «34» مركزاً في محافظة البصرة، حيث صوت لمصلحة تحويل المحافظة إلى إقليم «32448» ناخباً من أصل «135705» ناخباً كان يفترض أن يصوتوا لمصلحة المشروع لتحقيق نسبة الـ«10 بالمئة» المطلوبة من سجل ناخبي المحافظة، التي تمهد لإجراء استفتاء جماهيري عام، لما يقدر عددهم بمليون و409 آلاف و200 ناخب.
كذلك عاد النائب محمد الطائي المنسحب من كتلة المواطن التي كان يرأسها عمار الحكيم، وقدم في الـ15 من نيسان 2015 طلباً إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مصحوباً بتواقيع 44 ألف ناخب، حيث أعلنت المفوضية عن قبول الطلب. إلا أن الإجراءات بعد ذلك توقفت وأهمل الطلب! والنائب السابق محمد الطائي هو مالك قناة «الفيحاء» الفضائية التي كانت تهتم بأوضاع محافظة البصرة، والتي توقفت عن العمل بعد أن كانت تبث برامجها من إقليم كردستان العراق، الذي سبق أن اعتقل في دبي في تشرين الأول 2016، بتهمة تحرير شيك من دون رصيد لأحد الأشخاص في دبي، بقيمة تبلغ نحو «1.9» مليون دولار، بعد أن دخلها بجواز سفر سويدي، وأفرج عنه في الـ12 من كانون الثاني 2016 بكفالة مالية.
لقد سبق أن طالب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بتكريس سلطة المركز دستورياً بدلاً من التوجه إلى تشتيتها في السلطات المحلية، مطالباً بتعديل الدستور باتجاه تقوية السلطة المركزية كأساس للنظام الفدرالي، التي لاقت في حينها ترحيباً من جميع التكتلات السياسية، باستثناء المجلس الأعلى الإسلامي والتحالف الكردستاني، وقد كانت عبارة «لا أمن ولا بناء ولا إعمار يمكن أن يتم من دون سلطة مركزية قوية»، عنواناً لحملات كتلة المالكي الانتخابية لمجالس المحافظات التي جرت في الـ20 من نيسان 2013، والتي فازت فيها كتلته في سبع محافظات من بين 12 محافظة جرت الانتخابات فيها، إلا أنه لم يتم أي شيء بشأن المضي بتطبيق شعاره.
كما قامت الحكومة المركزية بنقل العديد من صلاحياتها إلى المحافظات العراقية منذ آب 2015، إلا أن الصراعات داخل المجالس المحلية للمحافظات، وانعدام الخبرة في الإدارة أديا إلى إخفاق في استثمار نقل تلك الصلاحيات إليها بشكل فاعل.
إن المشكلة في العراق ليست في طبيعة نظام الحكم، بل في الإدارة وفي تطبيق القوانين، حيث قال المرجع الشيعي آية اللـه بشير النجفي، وهو أحد المراجع الأربعة الكبار في النجف إلى جانب علي السيستاني ومحمد سعيد الحكيم وإسحق الفياض، في بيان له خلال لقائه وفداً شعبياً وعشائرياً من محافظة البصرة بتاريخ 28 تموز 2018، بشأن مطالبة أعضاء مجلس محافظة البصرة بإقامة إقليم البصرة: إن «الأمر يحتاج إلى استفتاء المواطنين وقيادات مخلصة وقوية، وفي ظل دولة مركزية تتمتع بالقوة وتضمن عدم تقسيم العراق وانفصال هذه الأَقاليم إذا ما قامت»، مشيراً إلى أن «المشكلة ليست في تطبيق قانون الأقاليم في العراق، ولكن المشكلة في القيادات المخلصة والقوية في إدارة هذه الأقاليم والمركز وهناك تجارب في الدول القريبة من العراق والبعيدة مطبقة لهذا القانون وفق معايير ونظم معينة»، مؤكداً أن «المهم هو الحفاظ على وحدة العراق».
إن الدعوات الحالية لتحويل محافظة البصرة إلى إقليم، لن تلق نجاحاً. فهي ليست أكثر من دغدغة لمشاعر الناس، ومحاولات لتقاذف مسؤولية ما جرى من تظاهرات واحتجاجات بين الحكومة المحلية وحكومة المركز الاتحادية. وما إخفاق محاولات تمرير مشروع إقليم البصرة فيما مضى، إلا مؤشر إلى استمرار رفض الشارع العراقي لمشروعات الأقاليم التي تطرح بين حين وآخر.
إن كل ما يخشى على العراق من خلال المطالبة بالأقاليم، أن يكون ذلك مقدمة إلى تقسيمه دولاً أو دويلات على أسس طائفية أو عرقية، وبخاصة أن تقاسم السلطات يجري الآن وفقاً لمحاصصة طائفية وعرقية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن