شؤون محلية

ضماناً للشفافية والمصداقية

| نبيل الملاح

تابعت الأسبوع الماضي خبرين يتصلان بموضوعي المقالين المنشورين بعنوان «مكافحة الفساد» و«أولويات الحكومة» اللذين خلصت فيهما إلى أنه آن الأوان أن نضع شعار محاربة الفساد موضع التطبيق وعدم تكراره من باب اللغو والنفاق الذي مله الناس، وأن نبدأ العمل بعيداً عن التنظير والندوات والمهرجانات، وليكن شعارنا «صدقاً في القول وإخلاصاً في العمل»، وانه لا بد من حلول سريعة وجدية للواقع الاقتصادي والمعيشي تبدأ اليوم قبل الغد.
يتعلق الخبر الأول الذي تداولته وسائل التواصل الاجتماعي بقرار صادر بتاريخ 2/5/2018 عن محكمة النقض جاء فيه أن القضاء مؤسسة عدل وإنصاف وليس مؤسسة اصطياد المتقاضين بأخطاء لا قيمة لها على شكليات وموضوع الحق العام المدعى به، ودعت المحامين لحفظ هذا الاجتهاد لديهم بالنص والصورة وإبرازه أمام كل محكمة اشتهرت بتصيد الثغرات والنواقص. وأنا أدعو الجهة المعنية بوزارة العدل إلى تعميم هذا القرار على جميع القضاة والمستشارين للتقيد بهذا المبدأ تحقيقاً لشعار «نحو قضاء عادل وسريع»، وأن يدرك القاضي أن سلطته المنصوص عليها في الدستور ليست مطلقة له وعليه أن يلتزم بالقانون نصاً وروحاً وألا يخرج عن غاية المشرع وقصده، وأن قوة القاضي وسلطته تأتيان من خلال سعيه لإحقاق الحق وإقامة العدل واحترامه لكرامة الإنسان التي شكل القاضي رافعة أساسية لها.
وهنا أعود لأسأل: ألا يعتبر القاضي الذي يتصيد الأخطاء الشكلية، مرتكبا لخطأ مهني جسيم؟ وهل القاضي الذي تتكرر أخطاؤه المهنية الجسيمة، يصلح أن يكون قاضياً؟
وأدعو مجدداً إلى إعادة النظر ببعض القوانين، وعلى الأخص قانون أصول المحاكمات المدنية، لإزالة الغموض والالتباس الذي يؤدي إلى فسح المجال للتفسيرات والاجتهادات التي قد تأتي خلافاً لقصد المشرع وغايته، وإعادة النظر بالأحكام المتعلقة بالإجراءات الشكلية في التقاضي كي لا تكون على حساب الحق والموضوع وتستغل لتأخير البت بالدعاوى.
وعلمت بتشكيل لجنة لإعادة النظر بقانون أصول المحاكمات المدنية التي أمل أن تأخذ بالملاحظات والاقتراحات التي تعرض عليها لسد الثغرات التي ظهرت في القانون النافذ الصادر مطلع عام 2016، وألا يتم التسرع بإقراره وإصداره ليكون قانوناً مكتملاً ومستقراً.
أنتقل إلى الخبر الثاني الذي صدر عن مجلس الوزراء عقب جلسته الأسبوعية التي خصصها لبحث ظاهرة الفساد باعتبارها آفة خطيرة على المجتمع والاقتصاد والمال العام والخاص، وأنه أقر جملة من الخطوات والإجراءات التي تعزز خطة العمل الحكومية في مواجهة الفساد المؤسساتي والفردي بشقيه المالي والإداري وتحصن كفاءة مؤسسات الدولة للنهوض بأعباء مرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار.
سألني أحد الأصدقاء المهتمين بالشأن العام: هل اطلعت على بيان مجلس الوزراء حول الفساد؟ وأجبته بأنني اطلعت عليه، وهو جيد، لكن المهم تنفيذه ضمن رؤية واضحة تحدد الآليات والوسائل، ولا بد من إحداث هيئة لمكافحة الفساد، وفق ما بينته في مقالي المنشور بعنوان «مكافحة الفساد».
وانطلاقاً مما جاء في بيان الحكومة حول المبدأ الأساسي المنصوص عليه في القوانين المرعية وهو أن لا أحد فوق القانون، واعتبار كل حالة استغلال غير مشروع للمركز الوظيفي في المراتب العليا أو الدنيا فساداً صريحاً، مؤكداً العزم على اجتثاث الفاسدين ومن يدعمهم بلا هوادة.
وبالعودة إلى ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي – وأنا غير متابع لها- حول حالات فساد تطول بعض الوزراء والمسؤولين، وقد لا تكون دقيقة أو صحيحة. فإنني أتمنى على الحكومة أن تترجم ما جاء في بيانها إلى التنفيذ الفعلي، وأن تبدأ بالتدقيق والتحقيق في حالات الفساد المطروحة، وتعلن بمؤتمر صحفي نتائج هذا التحقيق وما اتخذته من إجراءات بحق المرتكبين، وبذلك تكون الحكومة قد وضعت اللبنة الأولى لمكافحة الفساد بشفافية ومصداقية، وكرست شعار «صدقاً في القول وإخلاصاً في العمل».
تواجه سورية تحديات كبيرة وخطيرة، لا بد من مواجهتها بعزمٍ وحزم، وبوحدة شعبها، وحماية ثرواتها ومواردها.
إنني مؤمن بالقاعدة القانونية التي تقول: «كل متهم بريء حتى يدان»، ومؤمن في الوقت نفسه أن الحق بيّن والباطل بيّن، وأن واقعنا لا يحتمل أن ننتظر طويلاً لإحقاق الحق وإظهار الباطل.

باحث ووزير سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن