اقتصاد

الشرق أكثر شرقية

| علي محمود هاشم

لا يمكن الفصل بين الهزيمة التي مني بها المشروع الغربي في سورية، وبين تحولها إلى نقطة مفصلية لتفلّت آسيا المتدحرج من الهيمنة الغربية التاريخية.
الدومينو الذي وعد به الغرب منطقتنا يوما، يشهد اليوم رد فعله المعاكس بالاتجاه، تبعا لتبدلات جذرية جغرافية واقتصادية بدأت ملامحها الجديدة تكسو وجه آسيا لتبدو أكثر شرقية: اتفاقية بحر قزوين.. التبدل الباكستاني الناعم.. تعزز نزعة التحرر من البترودولار.
هذه المحاور الرئيسة، إلى جانب تبدلات أخرى أقل صدى، لربما تعكس مآلات معركة انحسار القبضة الغربية انطلاقا من جبهة سورية، هذه المعركة التي لربما سيتذكرها الغرب لوقت طويل نظرا للدومينو الذي يتدحرج من باديتها.
خلال الأسبوع الماضي، أقفلت روسيا واحدة من الجروح الطاقوية النازفة في بحر قزوين الذي بقي لنحو ثلاثة عقود مسرحا للمماحكة بينها وبين الدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي، على خلفية صراع مصيري مع الغرب الذي جاهد لمنع العودة الروسية إلى المسرح العالمي.
في أربعينيات القرن الماضي تقاسم الاتحاد السوفييتي وإيران منفردين النفوذ في قزوين البحر/ البحيرة، ورغم أن ذلك لم يشمل الثروات الطاقوية التي يخفيها قاعه، وفي تسعينياته، توازعت السيطرة عليه إلى جانب روسيا وإيران كل من أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان، ما شكل إغراء للغرب في تطويع روسيا، عبر تأمين بدائل لإمدادات الطاقة نحو القارة الأوروبية، فكان مشروع أنابيب نابوكو الذي لم تتأخر روسيا عن محاصرته بالاستحواذ على مصادر ضخه من تركمانستان وتطويق قانونيته بالاستناد إلى التعاريف الدولية للمياه المغلقة.
أما اليوم، ثمة تاريخ جديد لتجارة الطاقة من هذه المنطقة الغنية بعد إبرام التفاهم التاريخي بين دوله المتشاطئة، وهذا يشمل بالتأكيد غاز إيران ليس فقط في قزوين، بل أيضاً في حقول بارتس الأكبر في العالم على الضفة الشمالية للخليج العربي.
وسط هذه البيئة المعقدة من المصالح المتشابكة المتفاهمة، سيكون من شبه المستحيل على الغرب استغلال تنافس الموردين على الأسواق بعدما تبدأ آسيا بالتعاون في الإمساك بخيوط لعبة الطاقة.
مع مجيء عمران خان، رئيس وزراء باكستان الجديد، ثمة تبدل متوقع في تموضع هذه الجغرافية التي تلعب دور المستودع الخلفي للتنافس الدموي على آسيا الوسطى، الحديث المقتضب عن أنابيب الطاقة التي تمر عبر بلاده، يعيد إنتاج مشاريع صينية إيرانية لمد أنابيب الغاز بين غربي آسيا وشرقها بما يشمل العراق وسورية وصولا للمتوسط، ويعيد تعريف البعد الإسترايتيجي للدفع الغربي الحثيث بالأموال الخليجية نحو مد أنابيب (تابي) من تركمانستان نحو أفغانستان وباكستان والهند.
إذا صحت التوقعات حيال خان، فلن تتأخر الترددات عن التمدد نحو أفغانستان بجغرافيتها الحيوية ضمن الفضاء الآسيوي أيضا، لتتحول إلى تطورات في هذا الجانب، إلى ما يشبه (الصامولة) في نعش ما تبقى من هيمنة غربية على لعبة الطاقة في جنوبي آسيا.
على مسارات حرب الطاقة الآيلة لانتصار آسيا المنتجة والمستهلكة، تخطو نزعة التخلص من البترودلار، ببطئ، لكن بثقة غير مسبوقة، بدءا من التعاملات المحدودة بالعملات المحلية أو اليورو بين دولها الموردة للطاقة والمستهلكة لها، مرورا ببورصة شنغهاي للعقود الآجلة، وصولا إلى الجدية الروسية المشهودة -لأول مرة- في قبول النقاش العلني حول استخدام الروبل واليوان واليورو والتومان في تجارتها الخارجية، رغم الكلفة المحتملة على المدى المتوسط لمثل هذا القرار.
فمع الصدمات المتتالية (الاضطرارية) التي يوجهها الغرب لما يسمى مجمع الطاقة العالمي، تتعزز -بالمقابل- الطموحات المحلية للتحرر من نظام النقد العالمي القائم على الدولار بما فيه تجارة الطاقة، هذا الأمر، ووفق الاستخدام المفرط له في الحروب الغربية ضد مصالح آسيا، بات ضرورة لا يمكن تجاهلها، ولن يتأخر اليوم الذي سيتوصل فيه اللاعبون الآسيويون، ولربما بالتعاون مع الأوروبيين، إلى بدائل مناسبة.
الخليجيون يشكلون العلامة الفارقة في الاتجاه المعاكس، فهم يبدون كمن لا يقوى على الانتماء إلى آسيا، لربما تبعاً لظروفهم الموضوعية التي تمنعهم من ذلك!، ليس فقط بسبب اصطناع العروش وحمايتها، بل أيضاً لارتباط بقاء أنظمتها بوظيفة خدمة السعودية لمصالح الغرب في باكستان وفي آسيا وغيرها، فلا شيء يمكنها، أو حتى تتقن فعله، سوى مزيد من الانخراط الخاسر في حروب الغرب ضد بقية العالم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن