ثقافة وفن

العاقل من يتبصّر!!

د. علي القيّم : 

ثورة الحياة، تشمل الثورة الثقافية، التي تبدّل تفكير الإنسان ومبادئه وقيمه وأخلاقه وسلوكه وعمله، أمَّا الثورة المادية فهي التي تبدل الظروف، أو العوامل المادية التي تؤثر في حياة الإنسان، وكل منهما تؤثر في الأخرى، وقد لا تفلح إحداهما في تحقيق الغاية المرجوة منها إذا لم يحدث تغير مقابل في الثانية، لأن الجانبين الروحي والمادي في الوجود والحياة والإنسان يشكلان وحدة متكاملة، ويتبادلان التأثير فيما بينهما، ويؤدي تفاعلهما وتكاملهما إلى وجود نمط من الحياة يأخذ أحياناً شكل الثورة التي تسعى إلى تغييرها جذرياً وبسرعة حاسمة حتى تأتي نهايتها..
إن المجتمع المتخلّف أو الذي وصل إلى مرحلة الانحطاط والسوء، يرفض ويضطهد ويحارب كل عبقري أصيل يدعو إلى تبديلات جذرية فيه، وتثير هذه الدعوة رد فعل شديد بقدر ما تكون مختلفة عما هو سائد، ويحاول أن يقضي على مثل تلك الدعوات وعلى أصحابها، ليتخلص من كل محاولة لتبديل ما هو مألوف لديه، لئلا يتعرض لمخاطر التبديل ومفاجآته، وقد يعكر عليه حالة السكون والركود التي ألف الحياة فيها، ويفقد بعض المتنفذين في امتيازاتهم ومكاسبهم.
أما المجتمعات التي في بداية نهضتها أو المتقدمة، فربما تكون حذرة في البدء من الدعوات الجديدة، ولكنها لا تلبث أن تتلقاها بروح موضوعية، وبعد أن تتأكد من حقيقتها، تتبناها وترعاها وتكرم أصحابها… ولا يفلح العباقرة في القيام بالأدوار التي تليق بهم، إلا حين توجد الظروف والأوضاع المناسبة لهم، أو يتسنى لهم إيجادها..
إنها الدنيا… في مد وجزر… في علو وهبوط… تحمل بين طيات أمواج البشر والأشياء، ترفع بعضهم، وتحط بعضهم الآخر… حسبما يكون موقعهم في الموجة ومقدرتهم، وكثيراً ما ترفع الأقذار، لتضعها في قمة الموجة، وتبدو كأنها تقودها، وتشكل عنواناً لها، وما هي في حقيقتها سوى قش وقشور وأخشاب منخورة تطفو على السطح، وفقاً لتحركات هذه الأمواج المتلاطمة، التي قد لا يفلح الناس الجيدون في التحكم بها، إلا إذا كان وضعهم فيها يسمح به… والدنيا تدور… وتحمل معها الناس والأمور إلى الأعلى أو الوسط أو الأدنى، حسب المكان والزمان والوضع الذي تكون فيه، والإمكانيات المتوافرة لهم، والعاقل من يتبصر ويحسب حساب دورانها، لئلا يدفع الآخرين، ليدوسوه بأقدامهم، حين يكون دوره في الأدنى…
الحياة تغير مستمر، وإذا لم نستطع مجاراة تغيراتها واحتواءها ومعالجتها بحلول صحيحة، فقد نصاب بالتصلب والجمود والتحجر، الذي يشل حركتنا، ويفشل أعمالنا، ويقضي علينا… لذلك لكل مرحلة من حياتنا خصائصها… من مشاكل ومباهج، وأكبر خطأ نرتكبه حين نحكم على مرحلة ما بمقياس مرحلة أخرى ونحاول أن نعيش خصائص مرحلة في مرحلة أخرى…
إن القدرة على الحركة هي جوهر الحياة، وبقدر ما نكون قادرين على الحركة والتأثير، نصبح أقوياء في ممارسة الحياة، ولكن تنظيم هذه الحركة في قواعد معينة، يكون أفضل للحياة الإنسانية المتطورة باستمرار، شرط ألا نقتل الحياة أو نشل الحركة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن