من دفتر الوطن

إعلانات!

| عصام داري

تكون في المنزل مسترخياً تتابع برنامجاً مقبولاً نوعاً ما، أو فيلماً سينمائياً، أو ربما مسلسلاً شائقاً، فإذا بالتلفاز يستأذنك للذهاب إلى فاصل إعلاني «قصير» قد يستغرق في بعض المحطات المصرية على وجه الخصوص، نحو ساعة من الزمن، فتستغل الفرصة لتناول العشاء مع كأس من الشاي وبعض الحلويات والمكسرات، وتعود إلى ما كنت تتابعه فإذا بك تجد أن «مسلسل» الإعلانات لما ينته بعد.
لكن المصيبة ليست في طول الفترة المخصصة للإعلانات التي تحتل معظم فترتي المساء والسهرة، بل في نوعية هذه الإعلانات التي تدفعك إلى كره المنتج الذي يروجون له حتى قبل أن تجربه.
ولكن المصيبة الكبرى عندما يكون الإعلان الواحد طويلاً ويتم تكراره مرات ومرات، وكأن المعلن يفترض بالمتلقي الغباء فيريد أن يجعله يستوعب إعلان منتجه بطريقة «التكرار»! إلى الدرجة التي يجعل المتابع يعود إلى الفيس والواتس وشركائهما.
الغريب أن تسمع عبر بعض الإذاعات إعلانات عن منتج ما أو شركة ويطلب إليك مشاهدة جناحها في معرض دمشق الدولي، مع أن المعرض أغلق أبوابه، والأغرب أن يتكرر ذلك في أكثر من إذاعة وليس في إذاعة واحدة، فهل لي بأي عبقري يفسر لي هذه الظاهرة غير المعقولة؟
ثم أريد أن أسأل من «ابتكر» إعلاناً عن سمنة نباتية صار يوزع في الصيدليات! فهل وصل الاستهتار بهذه المهنة النبيلة إلى درجة استغلالها في إعلان تجاري لمنتج قد لا يكون جيداً، بل ربما كان الترويج له بسبب رداءته.
والأسوأ عندما يستغلون الأطفال وبراءتهم في الإعلانات التجارية، وما يترتب على ذلك من تلاعب بعواطف الأطفال، وربما بما يتسبب في أضرار صحية ومعنوية لهم نتيجة تلك الإعلانات.
أما المضحك المبكي في الإعلانات فأن تظهر أم مع طفلها في المنزل وحدهما تماماً، لا رقيب ولا حسيب، وهي تقدم له وجبة ما من مادة تروج لها شركة ما، السيدة الفاضلة ترتدي الحجاب الرسمي وكأنها تسير في الشارع مع كامل أناقتها و«الميك آب» وتكاد تشم رائحة عطرها الفرنسي عن بعد، فما هذه المهزلة التي لا تقنع حتى السذج؟
و.. يا سادة يا كرام، الإعلان فن وذوق يحتاج إلى ذكاء من نوع خاص، وإلى قدرة على إقناع الكبار قبل الصغار، وأسلوب رشيق وجذاب، لكن معظم الإعلانات العربية، وليست السورية فحسب، تفتقد مقومات الإعلان الناجح والأقرب للكمال، وهذا ينعكس سلباً على الشركة المنتجة للمادة المعلن عنها، وعلى مصمم ومنفذ الإعلان، وصولاً إلى وسيلة الإعلام التي تروج لهذا الإعلان.
هنا يخطر لي سؤال: ما دور المؤسسة العربية للإعلان؟ ولماذا هي موجودة أصلاً؟ وهل هي تدقق بمحتوى الإعلانات أم إن وظيفتها تنحصر بأنها وسيط بين المعلن ووسائل الإعلام مقابل رسوم تحصل عليها من هذا وذاك؟
قبل وجود هذه المؤسسة كان هناك مكاتب وأشخاص يقومون بهذه المهمة، وبكل صراحة كانوا«أكثر شطارة» من مؤسستنا المبجلة، ويمكن العودة إلى ذلك النظام واقتطاع «عمولة» الدولة وتحويل نسبة من هذه المبالغ لوزارة الإعلام لتحسين أوضاع الصحفيين، ومن ثم تطوير الإعلام.
المشكلة لا تنتهي بكلمتين، بل تحتاج إلى دراسة فعلية لمعرفة أفضل السبل لمعالجة مؤسسات حكومية غير فاعلة كمؤسسة الإعلان ومؤسسة التوزيع وغيرها، فهل هناك أذن تسمع؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن