الأولى

أتذكرون قول غولدامائير؟

بنت الأرض : 

حين قام الإرهابي دينيس مايكل روهان بإشعال حريق في المسجد الأقصى في الحادي والعشرين من آب عام 1969 قالت غولدامائير في اليوم التالي: لم أنم أبداً ليلة البارحة وأنا أتصوّر كيف سأستيقظ في اليوم التالي لأجد ملايين المسلمين قد هبّوا عن بكرة أبيهم ولكن المفاجأة أن الأمر لم يكن كذلك أبداً. لقد اكتشفت غولدامائير ومعها كل الذين يستهدفون العرب والمسلمين أن إشعال الحريق في المسجد الأقصى مرّ من دون أن تقوم الأمتان العربية والإسلامية بما يجب القيام به، وأنّ هدم المنازل والكنائس والمساجد وقتل المصلين في الحرم الإبراهيمي الشريف واغتيال العلماء والمناضلين والتنكيل بالأسرى كل ذلك تمّ، ويتم يومياً، من دون أن يستدعي ذلك انتفاضة حقيقية وموقفاً جريئاً على مستوى الشعوب والبلدان. لقد قام الكيان الصهيوني بنفي المطران المناضل كابوتشي، مطران القدس، بعيداً عن مدينته وأهله وتراب أرضه الذي يعشق ولم يحرّك أحد ساكناً، ويقوم هذا الكيان بتمزيق نسيج العائلات الفلسطينية يومياً والاعتداء عليهم وعلى مقدساتهم ولا تسمع عن ذلك حتى في الأخبار العالمية، وتمرُّ هذه الجرائم في العالمين العربي والإسلامي من دون أن يفقد أحد نومه ليفكر بما يجب أن يفعل وما الردود الممكنة على هذه الجرائم البشعة؟.
بعد ستة وأربعين عاماً من إضرام نار كانت تهدف إلى إحراق المسجد الأقصى عن بكرة أبيه لأنه تمّ إضرامها من جهاتٍ ثلاث، وقطعت السلطات الصهيونية المياه كي لا يتم إطفاء الحريق، وبعد عشرات الجرائم بحق أهلنا وشعبنا في فلسطين المحتلة بدأ إضرام النار في جوانب هذه الأمّة من أفغانستان إلى باكستان إلى الجزائر والعراق وليبيا ومصر وسورية واليمن مطمئنين إلى أن هذه الأمة لا تنتفض، وأنها لا تقف وقفة رجلٍ واحد في وجه الظلم والعدوان وبدأت الحرائق تنشب في مختلف ديار العرب والمسلمين وبدأت ردود الفعل المجتزأة والارتجالية والمؤقتة تظهر هنا وهناك من دون أن تتمكن حكماً من مواجهة مخطط شامل مدروس يتكئ في أهم عناوينه على كسل الأمة وعدم قدرتها على التجاوب السريع والشامل والمحكم.
وها نحن اليوم نشهد أدوات ذاك الإرهاب ذاته تضرب في العراق وسورية ولبنان وليبيا واليمن وتونس من دون أن نشهد جهداً متكافئاً ومتضامناً يعتبر العدو واحداً ويحاول الرد عليه على كل المساحة الجغرافية التي يحاول إشعالها.
لخوض هذه المعركة الشرسة ولإطفاء هذه الحرائق، والتي كان أولها في العصر الحديث إحراق المسجد الأقصى، لابدّ من العودة إلى الأساسيات، ولابدّ من الإيمان المطلق أن المعركة واحدة ولذلك يجب أن تكون المواجهة واحدة لأن المصير واحد لا محالة. وقد يتساءل أحدهم كيف تجتمع الإرادات وتتوحد إذا لم تكن هذه الإرادات حرّة مستقلة؟ سؤال وجيه لأن هذه الحروب تهدف في جزء كبير منها إلى احتلال ما تبقى من إرادات مستقلة وإلى تمكين ارتهان المرتهن منها، ولهذا فإن الخلاص الفردي ليس خلاصاً على الإطلاق وحتى الخلاص القطري لم يعد خلاصاً أبداً. ولابدّ من أجل الانتصار الحقيقي والضامن للمستقبل، لابدّ من أن تتضافر الجهود وتتضح الرؤى كي يؤمن الجميع أن محاولة إحراق المسجد الأقصى هي بحد ذاتها محاولة إحراق الجامع الأموي في حلب وجامع الإمامين في العراق ومحاولة حرق معلولا وتدمير مار اليان في القريتين. لابدّ من التوصل إلى القناعة أن أي عدوان على أبرياء ومظلومين في هذه الأمة هو عدوان على الأمة كلها من دون استثناء، ولذلك فالمقاومة هي فرض عين وليست فرض كفاية، ولذلك لابدّ أن تكون ردود الأفعال على كل جريمة ترتكب بحجم هذه الجريمة أولاً وبحجم المخطط الكبير الذي تشكل هذه الجريمة فصلاً من فصوله وباباً من أبوابه.
لو انتفض العالمان العربي والإسلامي كما كان يجب أن ينتفضا بعد إحراق المسجد الأقصى، ولو وقفا وقفة رجل واحد بعد جرائم الصهيونية النكراء وأسمعا العالم أصواتهم على كل المستويات وأصمّا آذان المنظمات الدولية بمطالبهم المشروعة وأشغلا الإعلام العالمي بحقوقهما واستعادة هذه الحقوق ربما لما رأينا الحرائق تنتقل اليوم إلى كلّ ديار المسلمين ولمّا شاهدنا هذا التشويه الخطير الذي يلحق بالدين الإسلامي السمح وإلصاق تهمة الإرهاب بتابعيه. لابدّ وأن نؤمن اليوم، وكان يجب أن نؤمن قبل عقود، أن من يدافع عن فلسطين ضدّ احتلال غاشم غاصب فإنما يدافع عن نفسه، ومن يحاول تحرير أسرى فلسطين إنما هو يحرّر ذاته ومن ينتصر لكلّ طفل وامرأة ومجاهد في فلسطين فإنما هو ينتصر لأسرته ومستقبل وطنه حيثما كان هذا الوطن لأن فلسطين هي بوصلة هذا الصراع الوجودي اليوم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن