قضايا وآراء

سورية.. حدود الأزمة

| مازن بلال

كانت لحظة الإعلان عن توريد منظومة «إس 300» لسورية سياسية بامتياز، فالتعقيد الذي أعقب هذا الأمر ينصب بمجمله على طبيعة القرار الروسي بالدرجة الأولى؛ حيث تبحث موسكو عن حدود للأزمة السورية وتحاول فصلها عن قضايا أخرى وخصوصاً الصراع مع «إسرائيل»، فمنظومة الصواريخ الجديدة هي لتحييد بعض العوامل وإبعادها عن المهمة الروسية في سورية، ورغم ردود الفعل «الإسرائيلية» القوية إلا أن المسألة لا يمكن وضعها في إطار أكثر اتساعا من إستراتيجية الكرملين في شرقي المتوسط عموماً.
عملياً فإن الشأن العسكري في مسألة منظومة «إس 300» يعتبر هامشياً إلى حد بعيد، والغضب «الإسرائيلي» يرتبط بالدرجة الأولى بالمجال السياسي الذي ترسمه روسيا أكثر من موضوع التوازن العسكري، ورغم أن الاعتداءات «الإسرائيلية» السابقة تم تجاهلها إلا أن توسيع نطاقها شكل بالنسبة للكرملين قلقاً متزايداً، فهو يتعامل مع مسألتين أساسيتين في إطار مهمته السورية: الأولى جدولة عناصر الأزمة حيث يتم خلق فصل واضح بين ما هو داخلي سوري أو إقليمي وخاصة الموضوع «الإسرائيلي»، والأمر الثاني عدم جعل سورية جغرافية رمادية في إطار النظام الإقليمي القادم، فالشكل «الرمادي» يمنع التوازن الداخلي وهو ما يحدث في العراق وما حدث في لبنان، وإذا لم تستطع موسكو حسم هذا الأمر فإنها ستواجه شكلاً مشابهاً لما حدث في أفغانستان على المستوى السياسي وليس العسكري.
تحييد العامل «الإسرائيلي» لا يعني بالنسبة لموسكو الدخول في مواجهة، بل إفهام «تل أبيب» ضرورة التعامل مع روسيا بشكل واضح وخصوصاً فيما يتعلق بأعمال عسكرية مشابهة لما حدث في مدينة اللاذقية، في المقابل فإن مهمة «التوازن الداخلي» هي الأصعب لأنها تحتاج لتحييد «إسرائيل» كي لا تفرض عوامل قوة على هذا التوازن، وفي المقابل فإن الداخل السوري يحتاج لتفهم احتياجات الخروج من الأزمة بعد هزيمة الإرهاب، وهذا «التفهم» لا يرتبط بالجانب الحكومي الرسمي بقدر ارتباطه بالقدرة الداخلية السورية على إيجاد «مرجح» سياسي؛ يضمن كل عمليات الخروج من الأزمة.
في وقت تتحدث جميع التصريحات من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة عن «الضمانات الدولية» لأي عملية سياسية سورية، فإن البحث في العمق السوري يضعنا في مواجهة «المرجح» السياسي، ومن المفترض أن هذا العامل يحتاج لبناء وهو ليس قوة سياسية جديدة أو حزباً أو أي شيء آخر بل ظاهرة يمكن أن تستقر عليها العملية السياسية برمتها، ورغم أنه بحاجة للوجود الروسي الذي يقوم بتحييد بعض العوامل، «الإسرائيلي» مثلاً، لكنه لا يمكن أن يصعد بفعل موقف أو قرار دولي، فالعامل السياسي المرجح هو رهان سوري داخلي بدأ مع قدرة الدولة السورية على الاستمرار رغم قسوة الحرب، وهي تحتاجه اليوم بشكله البناء للتعامل مع عناصر الأزمة الأكثر عمقاً التي تشكل الاستحقاق الأساسي الآن.
أنتجت الأزمة غطاءً سياسياً هشاً تمثل في الكثير من القوى التي ظهرت وغابت وتعاود الانتعاش عند أي تحرك دولي، لكن هذه القوى مازالت قائمة على مساحة الأزمة نفسها، وهي تعتمد في لقائها على العلاقات التي ظهرت في ذروة الصراع، ومن الصعب إطلاق مصطلح «نخب» على هذه القوى لأنها تعمل ضمن معادلة الصراع كما ظهر عام 2011، ولم تستطع إيجاد قواعد مختلفة للتعامل مع ما يجري رغم تبدل الظروف، فالنخب بالتعبير المجازي انتقلت لتصبح هيئات اجتماعية بالدرجة الأولى، والتي يمكن تلمسها في العلاقات داخل أي مجتمع محلي والتي استطاعت إنقاذ سورية، فالنخبة بعد ثماني سنوات من الأزمة هي «علاقات» سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعمق بغض النظر عن القرارات الدولية أو اللجنة الدستورية، فالسياسة لم تعد «جهازاً» قادراً على التعبئة إنما روابط لمصالح اجتماعية هي بحد ذاتها «نخب» بالمعنى الجديد للمصطلح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن