ثقافة وفن

«صحافة الأزمة» أسباب ودوافع خضوع الصحافة لتأثير الأزمة … الإعلامي في حيرة من أمره بين النقل الأمين وردود الأفعال

| سارة سلامة

للصحافة دورها في معالجة الأزمة بوصفها داء يصيب المجتمع، وتتضافر كل الجهود من أجل معالجته.. لكن للمسألة جانباً آخر، وهو التأثير العكسي، أي تأثير الأزمة في الصحافة، وتسييرها إلى وجهة ربما تقصيها عن ممارسة دورها العلاجي، وهذا ما سعت لإظهاره الدكتورة مانيا سويد من خلال كتابها (صحافة الأزمة) الصادر عن وزارة الثقافة- الهيئة السورية للكتاب، في دراسة شملت (الرصد والتحليل والتصعيد والتنبؤ)، واستهلت الدكتورة مقدمة الكتاب بإهداء خصته إلى وطنها الأم حيث قالت: «إليك يا من بثراك تلتئم جروحنا.. بأي ثمن غال يلتئم جرحك؟ إليك يا وطني سورية».
ويحاول الكتاب أن يراقب المدى الذي يمكن فيه للأزمة أن تلعب دور المؤثر تجاه الصحافة، فيكشف الحالات التي تتجاوز حد التأثير المتبادل والمقبول بينهما ليصل إلى حد تسلط الأزمة على الصحافة وإخضاعها لوصايتها.
في الوقت نفسه يحاول الكتاب الكشف عن الأسباب والدوافع التي تؤدي إلى خضوع الصحافة لتأثير الأزمة، وبحث ما إذا كانت تلك الأسباب، أو الدوافع نابعة من الصحافة نفسها لإيمانها بأيديولوجيات بعينها، أو تبنيها سياسات تروج لها، أم نابعة من قوة الأزمة نفسها بحيث وصلت في تأثيرها إلى التسلط المباشر على الصحافة.
وفي المقابل لا يدعو الكتاب إلى ترسيخ فكرة التأثير الأحادي، أي تأثير الصحافة في الأزمات وإنكار تأثير الأزمات فيها، فهذا منطق غير واقعي، إذ من الثابت عملاً أن الصحافة تتأثر بالأحداث التي تتعامل معها، ومن غير المقبول القول إن الصحفي محصن تجاه تأثير القضايا التي يتعامل معها، لكن الكتاب يضع تصوراً للحالات التي ينجرف فيها الصحفي أمام تيارات بعينها، تفرض عليه فرضاً بمناسبة تصديه للأزمة، فيضيع من بين يديه هدفه الأسمى تجاه الأزمة لمواجهتها، والتصدي لها.

التعريف بالأزمة وتمييزها
تمّ تداول اصطلاح الأزمة كثيراً في الأوساط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية وفي غيرها، وليس من المتيسر التعرف إلى ماهية الأزمة واستخلاص ما يميزها عن الأشكال الأخرى من المشكلات التي قد تشبهها إلا بتعريفها تعريفاً دقيقاً جامعاً مانعاً، وهذا الأمر يقتضي البحث في تعريفها في اللغة وفي الاصطلاح، ثم على ضوء ما يتوصل إليه من تعريف محدد يوضح المقصود بالأزمة يكون من المتيسر بعد ذلك البحث في تمييزها عما قد يختلط بها من أشكال أخرى.
والمقصود بتعريف الأزمة في الاصطلاح هو تعريفها من وجهة نظر الاختصاصين والخبراء ممن صاغوا تعريفات للأزمة ضمن مؤلفاتهم ذات الصلة، وفي هذا الإطار، ومع التسليم بصعوبة وضع تعريف واحد منضبط ينطبق على أنواع الأزمات كافة، نجد تعريفات عدة وضعها المؤلفون وأصحاب الرؤى كل بحسب الرؤية أو الزاوية التي يرى من خلالها الأزمة، فمنهم من نظر إليها من زاوية اقتصادية خالصة ولو لم تكن الأزمة من النوع الاقتصادي في ذاتها، ومنهم من نظر إليها من منظور اجتماعي ولو تعلق الأمر بأزمة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو غيرها، ومنهم من يراها برؤية سياسية ولو لم تكن الأزمة في ذاتها سياسية، وأخيراً هناك من يحاول الجمع بين أكثر من مفهوم من المفاهيم السابقة في تعريف واحد.
وعن تمييز الأزمة فإن الكثير من الأحداث المجتمعية غير المعتادة قد تشترك مع الأزمة في سمة أو أكثر من سماتها، وهذا يؤدي في بعض الأحيان إلى جعل الأمر يختلط علينا وقد نقع في التباس لا يمكننا من تمييز الأزمة مما قد يتشابه معها، فقد يحدث خلط بين الأزمة والحادثة، وقد يحدث هذا الخلط بين الأزمة والظاهرة، وأخيراً قد يحدث الخلط بين الأزمة والكارثة.

الصحافة في ظل الأزمة
الناقل للشر كالمروج له، هكذا ينظر البعض للإعلاميين الذين ينشرون على الناس أنباء الجرائم والحوادث والأزمات والحروب والكوارث وما شابه، هي نظرة ظالمة بلا شك إذا أخذ الأمر على إطلاقه، فالإعلامي العارف بأصول رسالته هو في الواقع في حيرة من أمره، حائر بين النقل الأمين للحدث وبين ما يثيره من ردود أفعال قد تكون سلبية في بعض الأحوال، أنها الحيرة بين ضرورة الفعل وبين ما قد يتركه من أثر لم يكن من بين ما يسعى إليه الإعلامي.
لا تقف تلك الحيرة عند هذا الحد، بل إن للمسألة بعداً آخر يتصل بملكة الإعلامي ورفضه أن يكون مجرد آلة صماء لا عقل لها ولا تمييز تنقل الحدث كما هو على طريقة التصوير الفوتوغرافي، يريد أن يعمل فكره ورأيه، يريد أن يجتهد حيث يرى أن للاجتهاد محلاً أو مبرراً وذلك ضمن الحدود التي لا تأخذه بعيداً عن رسالته الإعلامية.
ونقف عند الأزمة حين تجعل الصحفي يقتصر على النقل المجرد للموقف المتأزم، ونتتبعها حين تضطره لأن يتفحصها ويدرسها محللاً، ونذهب معها حيث تجعله يبالغ في تحمسه فيصعد من وتيرتها، وكيف أنها قد تدفعه إلى أن يلعب دور المتنبئ بما سيكون عليه مستقبل الأزمة، وأخيراً كيف يمكن قراءة ذلك كله في ضوء أخلاقيات مهنة الصحافة، ويأتي هذا الباب في فصول خمسة وهي: (صحافة الرصد، صحافة التحليل، صحافة التصعيد، صحافة التنبؤ، صحافة الأزمة وأخلاقيات المهنة).

صحافة التصعيد
كل المهن تتقبل بالقبول العام وبالشرعية ما دامت تعمل في إطارين، الأول هو إطار خدمة المجتمع الذي تمارس فيه وحينئذ تتمتع بالقبول العام، والثاني هو إطار عدم التأثير على الانتظام الطبيعي لإيقاع الحياة في هذا المجتمع وحينئذ تتمتع بالشرعية.
والمقصود بصحافة التصعيد أولاً في اللغة «التصعيد جمعها تصعيدات لغير المصدر، يقال: صعّد على، أو صعّد في، فيصح القول صعد الموسيقا، أو صعد عليها، أو صعد فيها، أي تعاظم في حجم الصوت، والتصعيد في الاصطلاح الكيميائي هو تحويل المادة الصلبة إلى غازية من دون المرور بمرحلة السيولة، وتصعيد الغرائز في علم النفس هو الارتقاء بها.
والتصعيد في السياق «يقصد بصحافة التصعيد الكتابات الصحفية التي تتعامل مع الأزمة ليس انطلاقاً من الدور الذي ينبغي على الصحافة أن تقوم به، ولكن من خلال التأثير في الأزمة بتصعيدها وزيادة حجمها أو حجم الآثار الناتجة عنها، سواء عن عمد أم من دون قصد، وسواء بسوء نية أم بحسن نية، الأمر الذي يترتب عليه أحياناً غياب الدور الحقيقي الذي يجب أن يقوم به الصحفي بتبني القضايا من أجل التأثير فيها إيجاباً وليس العكس.
فلسفة التصعيد «ويرتبط سلوك التصعيد بسلوك المبالغة الذي يعد من السلوكيات الكثيرة الاستخدام في المواقف التي يريد فيها الإنسان أن ينشئ لنفسه أو لفكرته وضعاً أو مركزاً متميزاً أو محققاً لنجاح ما، وبهذا المفهوم استخدمت صيغ المبالغة في الكثير من النواحي الحياتية الإنسانية، في السياسة والآداب والفنون بمختلف أنواعها، بل من الآداب والفنون ما نشأ في الأساس على المبالغة كالرسم الكاريكاتوري.
لكن الارتباط بين التصعيد والمبالغة لا يعني أن كليهما يؤدي إلى المعنى نفسه، فالعلاقة بينهما في جانب منها هي علاقة بين وسيلة وهدف، أي إن الارتباط هنا هو ارتباط الوسيلة بالهدف، وفي جانب آخر هي علاقة بين سلوك وتبرير، أي إن الارتباط هنا هو ارتباط السلوك بما يبرره، وفي الحالين يتجه الأمر نحو تحقيق غاية ما.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن