ثقافة وفن

شواهد الزلازل التاريخية على الآثار في سورية … د. ميخائيل معطي: «الزلزالية التاريخية» علم ولدينا أهم مصادره المسجلة في الكتب والرُقم والآثار

| سوسن صيداوي

غضب الطبيعة كان منذ القدم وحتى اليوم يرعب الإنسان الأول، الأعاصير، العواصف، البراكين، وهناك الكثير إضافة وأخيراً إلى زلازلها، الأخيرة التي تُحدث التدمير وحتى اللحظة لم يستطع جهاز التنبؤ بالحركة أن يعطي إنذاراً بحدوثها حتى في أكثر دول العالم تقدماً وتعرضاً لهذه المعاناة من أمنا الطبيعة. وعن الزلازل التي تعرضت لها المنطقة منذ آلاف السنين، والشواهد الآثرية التاريخية الحاضرة منذ آلاف السنين وحتى اللحظة، وللحديث أكثر أقام مجمع اللغة العربية في دمشق محاضرة ألقاها الدكتور ميخائيل معطي بعنوان «شواهد الزلازل التاريخية على الآثار في سورية» وللمزيد نتوقف عند بعد النقاط.

تفسير علمي
في بداية المحاضرة تحدث د. ميخائيل معطي: إن الإنسان الأول عرف عنف الزلازل المدمرة وأهوالها منذ أن وجد على سطح الأرض، وربط سببها بقوى خرافية، كأن ينشأ الزلزال بحسب الأسطورة اليابانية من تقلّب سمك سلور ضخم تحت سطح الأرض. أو اعتقاد سكان أميركا الأصليين الأكثر غرابة بأن تحملها سلحفاة عملاقة، وأنها كانت ترتجف كلما تقدمت السلحفاة خطوة. ويقول هنا د. معطي: «نحن الذين نعيش في عصر العلم قد بدأنا- بعد طول انتظار-نكشف الأسرار التي تكتنف أسباب الأحداث الطبيعية ونتائجها، ولكننا ما نزال نجهل الكثير عن تصرف الزلازل. كما أن التنبؤ عن زمان حدوثها ما يزال يحيرنا».

أسباب الحدث الزلزالي
يقول د. ميخائيل معطي في محاضرته: إن القارات التي نعيش عليها هي من قشرة الأرض، وهي في حقيقتها صفائح أو ألواح صلبة تعوم- إذا جاز التعبير-على طبقة لدنة لزجة، مؤلفة من مواد وفلزات منصهرة بفعل الحرارة العالية جداً في باطن الأرض، وهذه الحرارة توّلد تيارات تؤثر قوة حركتها في صفائح القشرة الأرضية -أي القارات- فتسبّب تشققها، وتدفعها باتجاهات مختلفة إلى درجة قد تؤدي إلى تصادمها. وكمثال أورده بأن حركة الصفيحة العربية المستمرة نحو الشمال وتصادمها مع صفيحة الأناضول المتحركة باستمرار نحو الجنوب، عبرها تكونت سلاسل جبال طوروس الضخمة.

الكشف عن الأحداث الزلزالية التاريخية
يقول الباحث: إنه ولمعرفة طبيعة الأحداث الزلزالية في منطقة ما، لا بد من الإحاطة بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن الزلازل التي ضربت المنطقة منذ أقدم العصور حتى الوقت الحاضر. ويتابع: إنّ «مصادر المعلومات عن الأحداث الزلزالية ثلاثة: مصدر آلي، وهو أجهزة قياس الهزات الأرضية أو محطات الرصد الزلزالي، ومصدر تاريخي، وهو ما دوّنه المؤرخون عن الزلازل القديمة، ومصدر آثاري، وهو الشواهد التي ما تزال آثار الزلازل المدمرة ماثلة على أطلال المدن التاريخية والقلاع القديمة».

المصدر التاريخي للزلازل
نظراً لقصر تاريخ إقامة محطات الرصد الزلزالي في العالم، فإنها تبقى عاجزة عن الإحاطة بطبيعة الأحداث الزلزالية، الأمر الذي يؤكد -بحسب الباحث- ضرورة الحاجة إلى المدونات التاريخية عن الزلازل التي وقعت في الماضي. ويتابع هنا د. ميخائيل معطي قائلاً: «تحتل المصادر التاريخية عن سورية مركز الصدارة، نظراً لتاريخها الحضاري المديد الضارب في القدم. وهذه المصادر هي الكتب والوثائق التاريخية والآثار القديمة التي تمثل حالياً ما يعرف «بالزلزالية التاريخية»، وهو علم قائم بحد ذاته، تتمحور حوله الدراسات الزلزالية في مراكز البحوث المختصة في العالم. وتضم بلادنا أهم المصادر العلمية لهذا العلم الحديث في العالم، نظراً لتاريخها الحضاري الضارب في القدم، والغني بالمعطيات المسجلة في الكتب، في الرقم التاريخية، في الآثار».

المصدر الآثاري وشواهده
إن وفرة الآثار التاريخية في سورية سمحت بدراسة شواهد الأحداث الزلزالية المدمرة التي ما تزال ماثلة للعيان، وتحديد الشدة القصوى التي بلغتها تلك الأحداث في كل موقع أثري. مضيفاً: إنه «ينبغي الإشارة إلى أن النشاط البشري قد يتسبب أيضاً، وبشكل مباشر أو غير مباشر، في توليد زلازل مهمة، من هذه النشاطات نذكر: عمليات حقن السوائل في الآبار العميقة، أو إملاء الخزانات المائية بالمياه، أو التفجيرات النووية تحت السطحية».
خاتماً بالقول: «إن سورية تعرضت في الماضي إلى العديد من الهزات الأرضية العنيفة المدمرة التي ما تزال آثارها ماثلة للعيان في أطلال المدن والقلاع القديمة. وقد تكون بلادنا من أكثر البلدان التي ضربتها الزلازل في الماضي لوقوعها على طرفي أضخم كسر في القشرة الأرضية على سطح الأرض، والمعروف باسم «فالق المشرق» الممتد من خليج العقبة في الجنوب، حتى تخوم جبال طوروس في الشمال». ذاكراً أهم الشواهد التاريخية الآثرية للزلازل ونحن نعدد بعضاً منها: مصياف/الحريف، دير مار سمعان (قلعة سمعان)، البارة، سرجيلا، مملكة أفاميا وقلاعها (قلعة شيزر)، قلعة المضيق/أفاميا، حصن سليمان، قلعة الحصن أو حصن الفرسان، تدمر، الرصافة، (قلعة جندل).

أهمية دراسة شواهد الأحداث الزلزالية
في هذا المحور تحدث دكتور معطي عن أن الدراسة التي قام بها على شواهد الزلازل التاريخية على الآثار في سورية، مع فريق متخصص في هيئة الطاقة الذرية -سمحت- مع دراسة واسعة أخرى، بوضع خريطة مناطق تساوي الشدة الزلزالية في سورية، تم فيها تصنيف المناطق بحسب درجة الخطورة التي تسببها الزلازل. وقد قام فريق العمل هذا خلال عدة سنوات من العمل الجاد، وبالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بدراسة أكثر من 180 زلزالاً تاريخياً مدمراً تعاقبت على ســورية، منذ العام 1365 قبل الميلاد وحتى العام 1900 ميلاديـــة. وبأنه تم نشر هذه الدراسة عــام 2005 في المجلة العلمية المتخصصة (NNALSOF GEOPHYSICS.) وهي بمنزلة الكود الزلزالي الأول لسورية، تسترشد به حالياً نقابــة المهندسين السوريين في إقامة المباني والمنشآت الهندسية الكبرى، كالجســور والســدود والمحطات النووية.
ويختم بحثه قائلاً: «وأخيراً إذا كانت البحوث العلمية المتعلقة بالزلازل لم تتوصل بعد إلى التنبؤ بحدوث الزلزال على مستوى الشهر أو السنة، فهذا الأمر يدعو إلى الاهتمام بهذه البحوث كي تبين لنا درجة الخطورة أو الأمان في المواقع التي نقيم عليها منشآتنا السكنية والعمرانية، وأن نهيئ أسباب الوقاية من الخطر المحتمل، فالحكمة تقول:درهم وقاية خير من قنطار علاج».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن