ثقافة وفن

النفوذ الثلاثيّ الأبعاد!

غسان كامل ونوس : 

صحيحٌ أن حفظ المادّة قانون وجوديّ، لولاه لنفدت موادّ أساسية في الحياة، وضروريّة لها، أو نقصت على الأقلّ، مع الإشارة إلى أن القانون نتيجة، وليس سبباً؛ وصحيح أن عمر الإنسان الفرد، لا يتجاوز القرن إلا نادراً؛ فيكاد لا يساوي شيئاً، إذا ما نُسب إلى المدّةِ التي تستمرّ فيها الأرض دوّارة، أو زمنِ الحياة عليها، أو عمرِ الكون الأعظم! لكنّ لهذا الكائن الفرد قدرات، يمكن أن تغيّر في مسار الأحداث، وروايات التاريخ، إذا ما جُمّعت لدى عدد مهمّ في مكان ما، وزمن واحد، وتحقّقت شروط النموّ، أو الاستمرار في البقاء، العمر المجدي، وأمكن استثمارها جميعاً؛ كما أن لعدد محدود من الأفراد إمكانيات متميّزة، يمكنها أن تكتشف المجهول، وتخترع الجديد، وتبدع في المجالات النظريّة والعمليّة.
وهذا كلّه رهن بتوافّر البيئة الحاضنة لهذه الطاقات، وتوجيهها الوجهة الصحيحة، واستثمارها إيجابيّاً. لكن ذلك، في الغالب، غير متاح، أو على الأقلّ، غير ميسَّر؛ لأن موضوع السلطة- بأي مفهوم- تلك التي لا بدّ منها لإدارة شؤون البلاد؛ أي بلاد، والعباد في كلّ واد، على تنوّعهم واختلافهم، لا يترك الأمور، تجري كما يجب، ولا الإمكانات تعطي ثمارها المنتظّرة أو الممكنة؛ من دون أن نَغفَلَ عن دور السلطة- بأي مفهوم أيضاً- ذاك الذي يمكن؛ بل يُفتَرض أن يكون إيجابيّاً، في الضبط، والتنظيم، والتقويم، والتوجيه، والتشجيع، والرعاية، ورفع الظلم، والحماية…
ولا يتوقّف أمر السلطة على الجانب السياسيّ، الذي يمكن الوصول إليه، أو من الممكن مناقشته، والتداول في شؤونه، واختياره بشكل أو آخر، على الرغم من كلّ ما يقال عن ديكتاتوريةٍ واستبدادٍ وطغيان، أكثر ممّا يمكن الدخول في حوار جدّيّ عميق، حول أشكال أخرى من السلطات؛ كالنفوذ الدينيّ مثلاً؛ هذا الذي يهيمن على العقول بأوامر إلهيّة، ويطبع كلّ ما يريد، بصرف النظر عن صوابيّته ومصدره، بطابع القداسة، التي لا قول آخر فيها، ولا رأي، ولا مناص.
أمّا النفوذ الآخر، الذي لا يقلّ سطوة وهيمنة؛ فهو النفوذ الاقتصاديّ، ولاسيما رأس المال، وما استولده من رغبات ونزوات، وأدوات ووسائل، وحيل ومساومات، وما استجرّه من خصومات وصراعات، ومستهلَكات ونفايات؛ ومن العبث مجاراة المالكين فيما يستطيعون، وما في رؤاهم وأفكارهم للاستزادة من الدخول ومضاعفة الأرباح، بصرف النظر عن الغاية والأسلوب؛ وهذا ما يجعل المقارنة في أي ظرف، غير عادلة بين من يملكون، ومن لا يملكون، وإنّ أي علاقة بين الفريقين، ستكون غير متوازنة، وأيّ تقارب بينهما، ليس سوى منّة من الطرف الأقوى؛ في الوقت الذي لا يزيد ما يقدّمه عن الفُتات، أو الفضلات، التي يخلّفها من استهلاكه الكارثيّ..
ويمكن أن تُوسّع دائرة المقصود أو المفهوم من الحيّز الذي يشغله الفرد الحاكم السياسيّ، أو زعيم الحزب؛ ورجل الدين الداعية، أو صاحب الفتاوى أو المسؤوليّة الدينيّة الدنيويّة الأخرويّة؛ ومالك رأس المال أو المنشأة أو الشركة… إلى مجموعات ومنظومات ودول وائتلافات؛ حيث يمكن لأي دولة، لها القدرة على الهيمنة على الآخرين؛ دولاً وشعوباً، أن تسترقّهم، وتستتبعهم إلى جوّها المشحون بجاذبيّتها المرغّبة أو المهدّدة، وقد لا يستطيعون التفلّت منها إلا بتحالفات جديدة، أو اصطفافات مختلفة؛ حيث يلجأ الضعيف إلى صاحب نفوذ آخر، حتّى لو لم يكن منسجماً مع وجوده وآرائه ونشاطاته كلّيّاً أو جزئيّاً. والأنكى من كلّ ذلك، يحدث، حين تجتمع هذه المنظومات الثلاث: السياسيّة والدينيّة والاقتصاديّة، ويصبح لها هدف واحد، أو ممرّ إجباريّ وحيد، أو أدوات وعناصر متقاربة؛ فتكون النتيجة كوارث متلاحقة، وضحايا لا يؤبه بها- على الرغم من أنها لا تُعدّ- من الضعفاء، الذين لا يملكون من أمرهم شيئاً، سوى الدعاء، الذي لا طائل من ورائه، ولا قيمة له؛ مع ذلك، فقد يحاسبون عليه سياسيّاً لمبالغة في الصياغة والتعبير عن الرأي؛ واقتصاديّاً بالحرمان المتعدد الوجوه؛ ودينيّاً لأنه مخالف لقضاء اللـه وقدره!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن