قضايا وآراء

إسرائيل وهشاشة البيت الداخلي

| محمد نادر العمري

يبدو أن توازن الردع على أهميته وتأثيره ليس وحده مصدر القلق الذي يجتاح القيادة الإسرائيلية بجناحيها السياسي والعسكري في هذه المرحلة، إذ ثمة مصدر آخر داخلي للقلق يعصف بتل أبيب منذ ما يزيد على الشهرين على خلفية ناقوس الخطر أو جرس الإنذار الذي دقه مفوض شكاوى الجنود في جيش الاحتلال الإسرائيلي، اللواء احتياط إسحاق بريك، الذي أصدر تقريراً رسمياً بقيت معظم تفاصيله سرية، حذر فيه، بحسب ما سرب منه، من عدم جهوزية الجيش الإسرائيلي ولاسيما الذراع البرية للحرب، التي لطالما استمرت حكومة بنيامين نتنياهو تهدد باللجوء إليها في جبهاتها المتوترة مع محور المقاومة بالعموم وحزب اللـه بشكلٍ خاص.
هذا الخطر الذي أشار إليه هذا التقرير تكمن أهميته في ثلاثة مجالات:
الأول المتمثل بالتوقيت السياسي لحكومة نتنياهو التي فشلت في ترجمة أجنداتها ومشاريعها في سورية والعراق وإيران وفلسطين ولبنان، الأمر الذي يضع هذه الحكومة فقط في خيار «الصراخ العالي» لعدم قدرتها على القيام بأي عمل عسكري حتى ضد قطاع غزة، خشية تعرضها لخسائر بشرية كبيرة وسط تراجع المعنويات لضباط الجيش الإسرائيلي، الذين يشعرون بالقلق من أن مقاتلي حزب اللـه أصبحوا أكثر خبرة بالحرب من جنودهم، وأن في عملية «الجرف الصامد» في صيف عام 2014، وتحديداً في المعركة التي جرت في «حي الشجاعية» في غزة، والتي أسفرت عن مقتل وجرح العشرات من قوات لواء «جولاني»، الذي يعتبر في جيش الاحتلال من أقوى الوحدات، ستكون نموذجاً مصغراً عن حجم الخسائر التي سيتكبدها الجنود الإسرائيليون أمام اتساع رقعة هذه المعارك.
أما الأهمية الثانية لهذا التقرير فإنه يهز ثقة الإسرائيليين بجيشهم وبقدرته ليس على تحقيق الانتصار والحسم في أي معركة مقبلة فحسب، بل في توفير الحماية والأمن للجبهة الداخلية بمختلف مستوياتها، ويزيد من هشاشة مصداقية المسؤولين الإسرائيليين في خطابهم السياسي والعسكري بهدف تحشيد الرأي العام الداخلي.
الأهمية الثالثة تكمن في أن هذا التقرير أبرز عيوباً داخل المؤسسة العسكرية مثل «غياب الشفافية في مراقبة الجيش الإسرائيلي، والنقص الحاصل في مخازن الطوارئ للحرب، وعدم تمرس القوات البرية بما يكفي لحرب، وتراجع الحافزية للخدمة في الوحدات القتالية، وهروب الأدمغة من الجيش الإسرائيلي»، هذه العيوب تتناقض مع التقرير السنوي الذي رفعه رئيس الأركان غادي آيزنكوت، إلى المجلس الوزاري المصغر منذ شهرين تقريباً، والذي أعلن فيه جاهزية الجيش الإسرائيلي لتنفيذ أي مهمة يكلف بها. هذا التناقض بين تقرير «بريك» الذي وصف من مراقبين «بالمهني»، وبين إعلان آيزنكوت «الوظيفي» سيشعل السجال بين الحكومة والمعارضة الإسرائيلية قبيل موسم الانتخابات التي من المؤكد بأنها ستتحول إلى مأزق لرئيس الحكومة نتنياهو وحزبه، والتي قد تؤدي إلى وضع حد لحياته السياسية نتيجة تراجع شعبيته المتخوفة أمنياً.
تأكيد الأمين العام لحزب اللـه اللبناني السيد حسن نصر الله، أن سياسة الحزب هي «الغموض البناء»، فيما يخص الصراع مع إسرائيل، تمثل تحدياً للاستخبارات الأمنية والعسكرية للكيان الإسرائيلي، ولعل تقرير «بريك» تجاهل الإشارة لهذه النقطة.
كما أن غياب القدرة على خوض مناورة برية مضمونة النتائج في أي حرب مقبلة، ترفع من أسهم العمليات العدوانية القائمة على القدرة التدميرية من خلال النيران الصاروخية البرية والجوية والبحرية. غير أن هذا الخيار أيضاً سيواجه بعقبتين رئيسيتين، الأولى: إن عمليات التدمير لم تعد أداة فعالة لإسرائيل نتيجة امتلاك قوى محور المقاومة أسلحة إستراتيجية دفاعية وهجومية وبكل المجالات من شأنها امتصاص واحتواء أي عدوان ومن ثم امتلاك زمام المبادرة العكسي للرد المدمر، والثانية: هي انحسار ثقل أميركا حليفة إسرائيل في المنطقة.
هذا الواقع يضع القيادات الإسرائيلية في حالة ارتباك وتخبط نتيجة فقدان وزنها لحصرية قدراتها التدميرية والتحالفية وخاصة بعد توتر علاقات تل أبيب مع موسكو على إثر إسقاط الطائرة الروسية «إيل20» بمكيدة إسرائيلية، ما يفقدها التحكم بتوازن القوى والردع في المنطقة، فعدم القدرة على حماية الداخل الإسرائيلي وفقدان ثقة الإسرائيليين بمقدرات حكومتهم، وفقدان حصرية القدرة التدميرية، تفسر المراوحة الإسرائيلية في مربع التهديدات والصراخ، هذا الصراخ الذي قد يطول أمده ما دامت موازين القوى الحالية يرثى لها بالنسبة لتل أبيب، إلا في حال أرادت أن ترمي بنفسها وبالمنطقة نحو الهاوية في أي مغامرة عسكرية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن