قضايا وآراء

واشنطن و«القوى السورية الجديدة»

صياح عزام : 

درّبت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» مؤخراً عناصر إرهابية ممن يطلق عليهم اسم «المعارضة المعتدلة»؛ دربتهم على الأراضي التركية بمعرفة (أردوغان) وبالتنسيق مع مخابراته التي أصبح شغلها الشاغل تأمين مرور الإرهابيين إلى سورية وتزويدهم بالسلاح والمعلومات وغير ذلك، وقد أطلقت على ما تبقى منهم اسماً جديداً هو (القوى السورية الجديدة) حسب ما كشفت عنه صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، مُعتبرةً أن مهمة عظيمة مُلقاة على عاتقهم تتمثل بطلب الضربات الجوية الأميركية، ومد القوات الأميركية بمعلومات ميدانية عن الواقع على الأرض.
إذاً، مهمة (القوى السورية الجديدة) هذه، محصورة في واجهة هلامية لا لون لها ولا رائحة ولا حول ولا قوة، تحاكي القوى السياسية التي تحاول مراكز الأبحاث والدراسات الأميركية ووسائل إعلامية غربية وعربية تسويقها كمعارضة معتدلة تحت تسميات براقة ووطنية لتقوم بمد الطائرات الأميركية بإحداثيات الأهداف التي يحددها البنتاغون.
هذه هي توجهات الإدارة الأميركية، حيث لا جديد فيها، فخلال السنوات الماضية من الزمن، انحصر دورها في التعامل مع الشأن السوري، في اختراع رأي عام لمعارضة مصنعة في الفنادق تحت شعارات الثورة والمطالبة بالحريات وبالديمقراطية، واعتماد حفنة من العملاء تُجنّدهم الوكالة المركزية للاستخبارات الأميركية ضمن هيئات وائتلافات ومجالس، تتكفل واشنطن والسعودية وقطر بمصاريفها ونفقاتها في تأمين السلاح والمأكل والمشرب والمسكن وغير ذلك.
لقد كشفت الحرب الإرهابية على سورية المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات، وما رافقها من إماطة اللثام عن الهوية الحقيقية للقوى الإسلامية المنخرطة في هذه الحرب تحت رماد السلمية والثورية الارتباطات المتينة والتي لم يعد من الممكن إخفاؤها، مع المشروع الأميركي الإسرائيلي الهادف إلى تقسيم المنطقة من جديد وتفتيتها إلى كيانات صغيرة على أسس عرقية وطائفية حتى مذهبية، وهذا ما يمثله واقع الحال الراهن في سورية عبر عشرات الفصائل والمجالس والائتلافات الواهية والمطية للخارج والبعيدة كل البعد عن أي شكل أو مضمون يمكنها من القدرة على التصرف واتخاذ القرار المستقبل، بعيداً عن مرجعياتها الإقليمية والدولية، والمرتبطة في نهاية المطاف بسيد واحد هو «السيد الأميركي».
لا شك بأن هذا النموذج من التنظيمات والمجالس والمجموعات والتنظيمات الإرهابية المسلحة، هو النموذج الأمثل الذي يريح العدو الإسرائيلي، ويقدم له الطمأنينة وراحة البال، من خلال بقاء الحدود الإسرائيلية بعيدة عن أي توترات بل يقدم لها خدمة مزدوجة تتمثل بوجود حارس أمين لحدودها على النحو الذي تجسده الآن على أرض الواقع (جبهة النصرة الإرهابية) وتنظيمات أخرى، حيث تقوم بحراسة الحدود الإسرائيلية مع سورية في كل من القنيطرة ودرعا إلى جانب تنسيق الطرفين ضد الجيش العربي السوري الذي يتصدى لهذه التنظيمات الإرهابية، كما أن هذه المنظمات تقدم الذريعة لإسرائيل لاتخاذ أي إجراءات ترغب فيها لخدمة مشاريعها التوسعية العدوانية بحجة حماية ما تسميه «أمنها القومي» من التنظيمات الجهادية، وبذلك تصبح تل أبيب جزءاً من التحالف الدولي للحرب على الإرهاب كما تسميه الولايات المتحدة بدلاً من تقديمها للعدالة الدولية لتحاكم على اعتداءاتها على الفلسطينيين وجرائمها في مختلف أنحاء فلسطين من قتل وحرق واعتقالات وفوق كل ذلك استمرار الاستيطان وقضم الأراضي المتبقية.
والآن، تقوم الإدارة الأميركية بحملة تبييض لإظهار جبهة النصرة الإرهابية كفصيل «معتدل» قادر على التحالف مع فصائل مماثلة لها وفق النموذج التركي الأردوغاني، بما يؤهلها لخوض الانتخابات وتسلم السلطة في سورية وغيرها من الدول العربية بحيث تصبح تركيا هي الراعية والمتزعمة لهذا المشروع المتناغم مع الرؤية الأميركية للمنطقة.
الخلاصة، إذاً، هناك تقاطعات في الأهداف وتوافق في الرؤية بين مشاريع الإسلام السياسي والقاعدي وواشنطن وإسرائيل وتركيا بما يدفعها للحرب في خندق واحد في وجه محور المقاومة والدولة والشعب السوري، في معركة ممولة من السعودية وقطر وبالتالي فإن الارتباطات والتشابكات تظهر أكثر للعلن، رغم كل محاولات طمسها وإخفائها لتحقيق هدفها المركزي وهو إسقاط الدولة السورية كحلقة مهمة في محور المقاومة، واستهداف حزب الله لاحقاً.0

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن