قضايا وآراء

واشنطن وموسكو والكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية

| رزوق الغاوي

يبدو أن جعبة الإدارة الأميركية قد خَوَتْ هذه الأيام من أوراق الضغط التي تحاول من خلالها النيل من النهوض الروسي والحد من اندفاعته الموضوعية الملتزمة قرارات الأمم المتحدة ومواثيقها على مختلف الساحات العربية والإقليمية والدولية.
خواء الجعبة الأميركية، وانعدام الموضوعية عند صانعي القرار الأميركي تجاه دول العالم، واستمرار واشنطن في ممارسة غطرستها واعتقادها بأنها لا تزال متفردة بفرض قوانينها من وراء البحار على دول العالم وشعوبها الحرة، كل ذلك جعلها تعود لأسلوب اجترار أوراقها القديمة البالية الخاصة باللعب على الوتر المذهبي في أكثر من مكان في العالم، لترسو الآن على مرسى الكنيسة الأوكرانية بغية افتعال شرخ أرثوذكسي وسحب الكنيسة الأوكرانية من انتمائها التاريخي للبطريركية الأرثوذكسية الروسية، اعتقاداً من الإدارة الأميركية أن من شأن ذلك إضعاف دور البطريركية الروسية الوطني المنسجم والمتناغم مع السياسة العامة الروسية التي ينتهجها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومن ثم النيل من قوة المواقف التي يقفها الرئيس بوتين على الصعيدين الوطني الروسي والدولي الخارجي.
في هذا السياق تحاول واشنطن العمل على استحداث بطريركيات أرثوذكسية جديدة على غرار ما تفعله الآن في أوكرانيا، وعلى إبعاد بطريركيات أخرى قديمة في عدد من بلدان العالم عن التنسيق مع البطريركية الروسية، ما يؤكد محاولات واشنطن الرامية لفرض سياستها التقسيمية تجاه الكنائس الأرثوذكسية، ومن ثم العمل على تأليب الأرثوذكسيين بعضهم على بعض، وشحنهم بأفكار مشوَّهة وسياسات تتناقض مع سياسات بلدانهم الوطنية، وتتفق مع الأهداف الأميركية المشبوهة تجاه تلك البلدان، وهذا ما بدا واضحاً في ما تسعى واشنطن إلى تحقيقه الآن في أوكرانيا، مستغلة قرار بطريرك القسطنطينية «برثلماوس» منح الكنيسة الأوكرانية حق الانسلاخ عن الكنيسة الروسية ووقوف «واشنطن» وراء هذا المنح بصورة مباشرة أو غير مباشرة «لا فرق بين هذه الصورة أو تلك»، وتعيين أسقفين من قبله في أوكرانيا، ما يشكل اعتداءً أميركياً على روسيا واعتداءً من بطريركية القسطنطينية على صلاحيات البطريركية الروسية وسلطتها الكهنوتية بدَفعٍ من الدوائر السياسية والاستخباراتية الأميركية التي تتولى العمل على تأجيج الخلاف بين بطريركيتي موسكو والقسطنطينية، وتفتيت قوام الكنيسة الأرثوذكسية الروسية التي باتت الأولى في العالم بعد انحسار الدور الفعلي لبطريركية القسطنطينية باعتبارها «المتقدمة بين متساوين» وتحول هذا الدور ليصبح معنوياً وحسب، بعد احتلال المدينة من السلطنة العثمانية، ما من شأن ذلك الخلاف الحد من توسع إطار الدور الروسي على الساحة الدولية «من وجهة نظر واشنطن» طبعاً.
خلاصة القول: إن واشنطن تحاول استخدام بطريركية القسطنطينية والمنشقين الأوكرانيين عن بطريركية موسكو كمدخلٍ لمحاصرة روسيا وضرب الأمن القومي الروسي وبسط السيطرة الأميركية على مجمل أوروبا الشرقية، ولا شك أن الإدارة الأميركية تعمل على خلق فتنة أهلية بين قلة قليلة من الأوكرانيين، تستغلها الولايات المتحدة الأميركية أكثر من 75 بالمئة من أرثوذكس أوكرانيا، لمزيدٍ من التدخل في شؤون أوكرانيا الداخلية، بغية توسيع إطار هيمنتها على أوكرانيا عبر وقوفها إلى جانب النظام الحاكم فيها، على الرغم من معرفة الإدارة الأميركية الأكيدة لوقوف أغلبية الكنائس الأرثوذكسية في العالم في مقدمتها «بطريركية أنطاكية وسائر المشرق، وبطريركية الإسكندرية، وكنيسة تشيكيا وسلوفاكيا، والكنيسة البولونية» بشكل علني وصريح إلى جانب الكنيسة الروسية باعتبارها الكنيسة الأم للكنيسة الأوكرانية، وضد الانشقاق بفعلٍ أميركي، ودعوة المنشقين إلى التوبة والعودة عن انشقاقهم من أجل أن تبقى الكنيسة الأرثوذكسية «كنيسة واحدة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن