ثقافة وفن

«بحرٌ يخشى الغرق» المجموعة الرابعة للشاعرة بسمة شيخو … تحت الغطاء العالم أجمل.. لا زحمة هنا.. لا غربة.. حتى الصدى نائم

| سارة سلامة

صدرت المجموعة الرابعة للشاعرة والفنانة التشكيلية السورية بسمة شيخو، بعنوان «بحرٌ يخشى الغرق» عن دار نينوى للنشر، من 102 صفحة من القطع المتوسط، وبلوحة غلاف للفنان الفلسطيني بشار الحروب، حيث لخصت الشاعرة في المجموعة مكنونات من الشعر والغزل وحب الوطن وتفاصيل عديدة قد لا تكون تشكل لنا أهمية، إلا أنها تنقلها بحساسيتها وشفافيتها بطريقة جذابة ولطيفة ومشوقة لتجعلنا ندرك أهمية أي تفصيل صغير قد فاتنا الانتباه له، وتقسم المجموعة إلى ثلاثة أقسام هي: «مدينة لا تقرأ الصحف»، التي تحوي على قصائد نثرية و«وحي السماء للطرقات»، يحتوي على قصائد مؤلفة من ومضات، و«عصافير تنقر رأسي»، عبارة عن ومضات شعرية وعدد من نصوص الهايكو.

مدينة لا تقرأ الصحف
تحت عنوان: «مدينة لا تقرأ الصحف»، كان القسم الأول من الكتاب الذي يحتوي على قصائد نثرية متعددة منها: «زينوا المرجة» متحدثة فيها عن جمال مدينة دمشق ورموزها وعن حرب هتكت بها وأفرغت سكانها منها وعن حالة الشوق والحنين والتمسك بالأرض تقول:(سمعت أغنية «زينوا المرجة»، فبكيت، داخل كل دمعة قصة، ها هي دمشق ترتسم بيضاء على وجنتي، الخرائط تصنعها الذكريات، الشمس قريبة هنا، ورؤوس الناس ملساء كأعواد الثقاب، يوم الحريق قريب، سأتأمله بهدوء، كقمر صامت في زاوية سماء زرقاء، الحياة هشة، نفخة صغيرة من فم الموت، ونتطاير كزهر كسّار الزبادي، المآذن أعناق المدينة، قطعت الحرب بعضها، فسالت التكبيرات في الشوارع، وحدي أتجول معها، في أحياء مدمرة، أركض سريعاً، أخاف أن يمسكني اليأس، وأصبح حزينة كصورتي في المرآة، في البيت المقابل المهجور، قميص منسي على الشرفة، في الليالي الشتوية، يشتاق لدفء جسد صاحبه، يعانق حبل الغسيل البارد، ويغفو، كذا أفعل بوسادتي حين أشتاق لك).
وفي قصيدة «امرأة لا تكبر» تحاول عابثةً الهرب إلى الطفولة بروحها وتفكيرها وبراءتها وبكل ما تحمله الطفولة من أحاسيس صادقة لا تعرف الغش أبداً، وتقول: (مازلت طفلة صغيرة، تقع في الطرقات، وتعود للبيت بركبة مجروحة، تبكي عندما تمرض، وتنتقل من حضن إلى آخر، تصدق الأحاديث العابرة، وتنتظر الوفاء بالوعود، تغمض عينيها أمام قبلة على التلفاز، وتهرول لعناق وسادتها، تحب الغرباء، ترافقهم، وتظن أنهم يحملون الحلوى في جيوبهم، تخطئ باختيار الكلمات المناسبة، وتتأتى بجمل الحب، مازلت طفلة، تلعب مع من يحبها الغميضة، تختبئ بإتقان، لم يجدها أحد بعد).
وفي قصيدة «صباح الخير» هي امرأة تحب وتفتش دائماً عن رجل يحمل عبء أنوثتها وتبحث عليه وتجده في زحمة وأصداء الحياة وتقول: (أبدّل الرجال بشكل دوري، من دون أن ألحظ أي فرق، أتدرب كل شهر على اسم جديد، أستعين دوماً بـ«حبيبي»، أمدد ابتسامتي أمامهم، وألمع عينيّ عند إعادة القصائد نفسها، في الليل أتمدد في سريري، عرق نعناع ذابل، مستسلمة لخيال بائس، ولهاتف لا يكف عن الرنين، أحاول التقاط صورة بانورامية لأصحاب الأرقام الغريبة، السواد يلتهمني، يبتلع ضوء الفلاش ويقضم وجنة القمر، أخشى عليه فأدير وجهي، تحت الغطاء العالم أجمل، لا زحمة هنا، لا غربة، حتى الصدى نائم، أدندن لنفسي حتى أنام، أستيقظ على فنجان قهوة، أمي تبتسم، وحبيبي الجديد يصرح من بعيد «صباح الخير».

وحي السماء للطرقات
والقسم الثاني من المجموعة يحمل اسم «وحي السماء للطرقات»، وهي عبارة عن قصائد مؤلفة من ومضات، حيث تقول وتحت عنوان: «ريح»: (الوحيد يفرح في الشتاء، بابه يدق طوال اليوم، الطرقات خاوية، وحدها الريح تتسكع، سأتعلم الرقص، وكالورقة اليابسة، شريكتي ستكون الريح).
وتحت عنوان «نساء» حيث نرى أهمية تناولها للمرأة والدخول بتفاصيلها وتفكيرها وحنينها ودموعها حيث تقول: (امرأة غبية، أحبت العديد، وفي النهاية اكتشفت أنهم رجل واحد بأسماء مختلفة، امرأة لا تتقن العد إلى عشرة، تقف عند اسمك، وتقول واحد واحد، امرأة تعشق تسلق الجبال، ماتت، مراراً فوق قلوب كالصخور، امرأة أنجبت العديد من الأطفال، تتباهى سراً بعذريتها، امرأة تغزل أرواح الرجال على نولٍ يدوي، ترميه تحت أقدام النسوة، امرأة تحمل كل الاحتمالات الخاطئة، تكومها في الزاوية، وتصعد نحو كذبة أخرى، امرأة تلتهم خطوات الغائبين، لتلد طريقاً يوصل إليهم، امرأة تعد أصابعها كل يوم، تفتقد الأصبع الذي علق بكفك، امرأة تضحك أمامك بصوتٍ عالٍ، وتبكي بصوت أعلى حين تغادر).
وفي قصيدة «نافذة» تروي قصة عشق يذوب ولهاً وشوقاً في برد شتاء عاصف وتقول: (في الشتاء، النافذة تعرق من وجه، وترتجف من آخر، هذا ما يسمى فصاماً، تمل النافذة عملها، فتصبح ليلاً مرآة، في البرد لا أكتب لك رسالة ورقية، زجاج النوافذ الأغبش مغر أكثر، إشاعة تقول إن النوافذ تهرب عادة، حبسوها بإطارات خشبية).
وعند قصيدة «طريق» تتوه في طرقات الحب باحثةً دوماً رغم كل المشقات عن حبيبها وتقول: (لا طريق من دون أقدامنا، خطواتنا جزء من الطريق، الطريق يعرف النهاية لكنه لا يبوح بالسرّ، الطريق الفرعية خائنة، في طريقي إليك تركت فتات خبز لئلا أتوه، نسيت أمر الطيور الحمقاء، في طريقي إليك ضعت، لكنك كنت في كل الوجهات الخاطئة، في طريقي إليك كنت أطير، لا آثار لخطوات تعيدني حيث كنت).

عصافير تنقر رأسي
أما القسم الثالث من المجموعة فحمل اسم «عصافير تنقر رأسي»، وهي عبارة عن ومضات شعرية وعدد من نصوص الهايكو، وتقول: (أذن الميت ملأى بالتراب، برعم أخضر، يكمل الإنصات، انكسرت دواة الله، فكان الليل، في رأسي كنيسة، أيامها كلها آحاد، رسائلي لا تصل، ساعي البريد الحالي لا يعتبر القبلة طابعاً، أرتدي قميصاً بارداً، أتذكر أمي حين كانت تسخن ثيابي على المدفأة، أمي: أشعر بالبرد).
وكذلك تقول: (ليلة باردة الفقير يحرق حلماً ليتدفأ، الكف التي لوحت للمسافرين كثيراً، أصبحت منديلاً أبيض، الأسواق مزدحمة، على كرسيّ الحديقة، وحدها تجلس ورقة صفراء)، حصان في بركة الماء، أقف باتزان، خيالي يرقص، أشلاء قوس قزح، تحت عجلات السيارة، بقعة بنزين، في اتجاه القبلة ظننتها ساجدة، زهرتي الذابلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن