ثقافة وفن

فرط المنطق

| د. اسكندر لوقا

من يعتقد أنه سيبقى شاباً، قوياً، فاتناً، هو إنسان يجب أن يدرك أنه ضد منطق التطور في الحياة، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون، ولكنه لا يريد أن يقرّ بذلك بحكم منطقه الخاص وليس العام.
ومن الظواهر القابلة للتبدل، في سياق هذه المعادلة، قسمات الوجوه وكذلك أشكال القامات وشدة الأصوات وكل ما يتصل بالشكل من حيث المبدأ سواء لدى الإنسان أو في الطبيعة. وثمة براهين لا تحصى تؤكد صحة هذه المعادلة في الحياة، سواء من جهة تبدل ملامح الوجوه التي نعرفها أو الأماكن التي كنا نعرفها ومن ثم غدت غريبة عنا بفعل ما لحق بها من تحولات في الشكل أو المضمون مع مرور الزمن.
وفي أحيان كثيرة، يحاول أحدنا أن يقنع نفسه بأنه ما زال كما كان يبدو أمام عينيه هو حين كان يتطلع في المرآة يوم كان شابا ذات يوم، قبل أن يشيب شعره أو يشيخ أو يفقد قدرا من قواه البدنيّة وما شابه ذلك. وفي سياق هذه المحاولة يتناسى أن النهاية ليست كالبداية، وأن الزمن لا يخضع لإرادته مهما حاول أن يتجنب هذه الحقيقة، حقيقة أن كل شيء في الحياة، من مستوى الكائن البشري إلى مستوى الطبيعة، هو خارج إرادة الإنسان فيما يتصل بواقع التطور.
في سياق مثل هذه القناعة لدى صاحبها، لا بد أن يستمر متوازناً في حياته، شأنه في ذلك شأن من يقبل بالأمر الواقع من دون أن يكلف نفسه عناء المضي في التساؤل لماذا وكيف ومتى، وبذلك يجنب نفسه عناء البحث عن السبب فيما آل إليه شكله مع مرور الوقت، ومن ثم يمضي راضيا بما هو عليه في سياق العمر الذي يملي عليه توخي التمسك بما كان قد اعتاده وهو في عمر الشباب.
ولهذا الاعتبار يمكن القول: إن ما هو غير منطقي، من حيث المبدأ، هو الإفراط في المنطق غير الموضوعي إن صح التعبير، لأن ذلك لن يغير مسار التطور في الحياة ولن يخضعه لما نريد لا كما يريده مسار التطور، وذلك بغض النظر عن مفهوم التطور التقليدي، الذي يشير نحو الأفضل أو الأرقى. ومن هنا قيمة المنطق الموضوعي الذي لا يتعارض مع الواقع، بل يزيده وضوحاً، ثم يجعله أقرب إلى القناعة بوصفها مجالاً لراحة الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن