من دفتر الوطن

إعلانات!

| عصام داري

يزعم بعض المغرمين بالشعر أن قصيدة قل للمليحة هي من نظم شاعر زاهد اسمه مسكين الدارمي، من أهل بغداد، ويزعم آخرون أن الدارمي من أهل المدينة المنورة، لكن هناك شبه إجماع على قصة تلك القصيدة.
تقول القصة إن تاجراً يبيع الخُمر(جمع خِمار) في بغداد، وصادف أنه اشترى كمية كبيرة من الخمر من كل الألوان، وقد نفدت من متجره كل الخمر باستثناء السوداء منها، وشارف على خسارة كبيرة، فقصد صديقه الشاعر الدارمي يسأله عن سبل الخروج من هذه الأزمة، وكان الدارمي قد اعتزل الشعر وتنسك في المسجد، فقال له: لا عليك، سأعطيك أبياتاً ستروج لك الخمر السوداء بإذن الله، فأنشد يقول:
قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلت بناسك متعبد
وطبيعي أن معظم القراء يعرفون بقية القصيدة، وخاصة بعد أن غناها مطربنا الأصيل صباح فخري.
الهدف من استعادة تلك القصة والقصيدة أن كثيراً من الباحثين يعتبرونها – أي القصيدة – أول إعلان عرفته البشرية، وقد تذكرت القصيدة وأنا أتابع الكثير من الإعلانات، ليس على شاشتنا الوطنية وحسب، وإنما على الشاشات العربية، وأراهن بنصف ثروتي! على أن الشاعر الدارمي لو خرج من قبره لانتحر في اليوم مئة مرة على الأقل!
لنأخذ الإعلانات الدارجة، ونبدأ من إعلان يجعل المرء يحرم على نفسه السمنة طوال الدهر خاصة وهو يرى شخصاً يلوك شيئاً يدعو للقرف، وينصح الحوامل بعدم مشاهدة هذا الإعلان!
من منكم يشعر بالحزن والإحباط ويريد أن (يغير الجو)؟
هناك نوع من البسكوت يغير الجو ويبعث على الحركة والرقص، و.. يتحول الجو إلى حلو.. حلو.. جربوا فقد تشعرون بالنشوة وترقصون حتى الصباح.
لاشك أنكم تحتاجون إلى غسالات فعالة لغسل ملابسكم التي اتسخت بالسمنة آنفة الذكر وكذلك بمخلفات البسكوت، وفي مصر غسالات عجيبة، أو الإعلانات عنها عجيبة، ، فمنذ سنوات عديدة تجاوزت الأربع تبث محطات التلفزة المصرية (الخاصة) إعلاناً لم يتغير يبشر فيه مستخدمي تلك الغسالة بأن أسبوع الصيانة المجانية قد بدأ! وهذا الإعلان كاذب، فإذا كان صادقاً فذلك يعني أن الصيانة مجانية خلال كل تلك السنوات، فماذا ستربح الشركة إذا كانت الصيانة مجانية؟ وإن لم تكن كذلك فلماذا يعلنون أن الصيانة المجانية بدأت؟
لكن أسوأ المحطات تلك التي تروج للمشعوذين والدجالين المغاربة واللبنانيين حتى إن هناك (بصارة) سورية كانت تعمل ذات يوم في أحد فنادق النجوم الخمسة في شهر رمضان لتسلية الساهرين من ذوي الياقات البيضاء بين الإفطار والسحور.
الترويج للسحر والشعوذة وإعادة الغائب ورد الزوج الهارب وغير ذلك يحدث تحت سمع ومشاهدة السلطات المصرية المختصة التي تغط في سبات عميق، إلى درجة صارت الصحف المصرية في مقالاتها وتعليقاتها الرزينة عادة تدعو إلى مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة على المجتمع العربي وليس المصري فحسب، وقد تم وقف بعض تلك المحطات فعلاً، لكن الظاهرة مستمرة.
ومن المشاهد المؤذية على الشاشات المصرية إعلانات التسول المؤلمة والمقرفة كثيراً، التي يشارك فيها بعض نجوم مصر، وكأنهم بحاجة إلى مزيد من الجنيهات!
ولن أزيد، فجعبتي، وحتماً جعبتكم ممتلئة بالكثير من هذه الآفة التي اسمها إعلانات!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن