ثقافة وفن

أشواك الدرب..

د. اسكندر لوقا : 

ليست الدروب كافة ممهدة دائماً أمام السائرين عليها. فثمة الحفر والمنعطفات الخفية والمنحدرات الخطرة، وثمة أيضاً أكوام من العراقيل بمختلف أنواعها تعوق السائرين على دروبهم في الحياة. لهذا الاعتبار يُنصح السائرون على دروبهم بالتبصّر قبل كل خطوة يخطونها تجنبا للتعثر أو السقوط.
ومع أن هذا النصح يشكل ضمنا نوعا من التحذير، ولكن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يشكل عائقاً أمام السائر لا يمكن تخطيه، وإلا بقي كل منا في مكانه لا يبرحه لأي سبب من الأسباب. فقط في حال ثقة المرء بنفسه يستطيع جعل هذا الأمر فرضيّة قد تصير واقعا وقد لا تصير، وذلك بمقدار ما يتنبه إلى مواقع قدميه وهو يمضي في طريقه واثقا من حسن اختياره الدرب. ودائما الذين يسقطون على الدرب هم المدّعون بأنهم فوق الاحتمالات والفرضيات كافة.
وكما هو حال الفرد، كذلك هو حال البلد، أي بلد في العالم. إنه بمقدار ما يكون محصنا تجاه داء الادعاء يستطيع التعامل مع المعوقات والعراقيل التي توضع أمام مسيرته في خدمة حاضره ومستقبله. ومن هنا السعي لتجنيب المواطن، دون تمييز بينه وبين الآخر، لأي سبب من الأسباب، كي تغدو التشاركية في إعادة بناء الوطن وحمايته، معادلة قابلة للتطبيق، وبغض النظر عن الزمن وكمّ التضحيات المرتقبة على الدرب.
وهذا ما يشغل بلدنا في الوقت الراهن، حيث الأشواك تزرع أمامه على درب مساره باتجاه تخطي الأزمة التي يعاني من تداعياتها منذ ما يقرب من خمس سنوات ولا يزال. وفي غضون ذلك يبقى يتعامل مع حملة معاول الهدم وزرع الحفر والعراقيل على دربه بالصمود والصبر والإيمان بالنصر.
إن سورية اليوم، بقراءتها لتاريخ أمسها القريب أو البعيد نسبياً، تدرك جيداً ما يرمي إليه أعداؤها، وتحديداً أعداءها الذين ما زالوا يحلمون بعودة التاريخ إلى الوراء، وتحديدا إلى أزمنة العثمنة التي عانت منه سوريتنا على مدى أربعة قرون ولا تزال صور مآسيها عالقة في ذاكرة أبنائها. إن سورية هذه التي تخطت تلك القرون الأربعة بوعي أبنائها وخصوصاً المتنورين منهم، قادرة في كل وقت على تخطي ما يعد لها من ضروب الغدر والتآمر على حاضرها ومستقبلها. ومن لا يخشى الأشواك من كان دمه صافيا خاليا من كل شائبة.
في هذا السياق أستعير من الأديب العربي اللبناني جبران خليل جبران (1883 – 1931) قوله: سر إلى الأمام ولا تخش أشواك الدرب، فهي لا تستبيح إلا الدماء الفاسدة.
فماذا عن دماء أقدام الهمج الذين طالما حلم أصحابها الطغاة بالبقاء على أرض الشام فكان طردهم منها ختام أحلامهم؟ ماذا عن دمائهم التي أفسدت وتفسد اليوم تراب أرضنا الطاهرة أرض الأنبياء والقديسين؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن