قضايا وآراء

كسر النصاب بالفوضى.. عقبة توزير فالح الفياض

| أحمد ضيف الله

رغم الرسالة التي وجهها مقتدى الصدر إلى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في الـ3 من كانون الأول الحالي، التي تضمنت تحذيرات عديدة له، بأنه «ملزم بعدم الانصياع إلى ما يجري خلف الكواليس من تقاسم للمناصب وما إلى غير ذلك»، والتقدم بـ«وزراء تكنوقراط مستقلي الهوى والقرار ولاسيما وزيري الدفاع والداخلية والمفاصل الأمنية الأخرى»، وأنه إن «نَجحت وفق الأسس الصحيحة دعمناك وقومنا حكومتك، أما لو كان هناك قصور أو تقصير شخصي منك فستكون المسؤول أمام اللـه والمرجعية والشعب وسنكون آنذاك معارضين لحكومتك ومقومين لها بطرقنا الخاصة»، مذكراً إياه بأنك «تعلم أن إثبات فرصتك للنجاح قد حددت بستة أشهر إلى سنة فقط ولن يكون النجاح حليفك إذا كانت حكومتك ووزراؤك متحزبين ووفق ترضيات طائفية مقيتة».
قدم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي مرشحي وزاراته الثماني، متجاهلاً تحذيرات الصدر له بشأن ترشيح فالح الفياض وزيراً للداخلية، والتهويل بانعكاسات ذلك على العملية السياسية في العراق، حيث لم يتمكن من تذليل العقبات وحل الخلافات بشأن المرشحين بين «تحالف الإصلاح والإعمار» المدعوم من مقتدى الصدر و«تحالف البناء» برئاسة هادي العامري ونوري المالكي.
إلا أن نواب «تحالف الإصلاح والإعمار» وبعض النواب من كتل أخرى نجحوا في عرقلة تقديم عادل عبد المهدي ترشيحات باقي وزرائه، وعطلوا نصاب انعقاد جلسة مجلس النواب في الـ4 من الشهر الجاري كما كان متوقعاً، برفض دخولهم قاعة المجلس النيابي، للحؤول دون التصويت على مرشحي وزارتي الداخلية والدفاع على وجه الخصوص، وافتعال الفوضى بهتافات معارضة للمرشحين المقترحين، والدخول في مشادات كلامية مع هيئة رئاسة المجلس النيابي، مفضلين الفوضى على الاحتكام إلى الأصول الديمقراطية، ما أجبر رئيس الحكومة عادل عبد المهدي ومعه مرشّحو وزاراته الثماني، على مغادرة قاعة المجلس النيابي، معلناً فيما بعد أن «حالة الفوضى في مجلس النواب حالت دون إكمال التشكيلة الوزارية».
إن إخفاق المجلس النيابي في تمرير الحقائب الوزارية الشاغرة في الحكومة، كان في الأساس نتيجة احتدام الخلافات بين تحالفي «الإصلاح والإعمار» و«البناء» حول مرشح حقيبة وزارة الداخلية فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي السابق، الذي يرى «تحالف الإصلاح والإعمار» أنه سبب انفراط تكتل أحد مكوناته وهو «تحالف النصر» برئاسة حيدر العبادي بانضمامه إلى «تحالف البناء»، ساعياً إلى الانتقام منه كما يبدو.
إلا أن كتلاً نيابية أخرى تعتقد أنها متضررة من التشكيلة الوزارية، استثمرت ذلك وركبت موجته، حيث يرفض «المحور الوطني» المدعوم من «تحالف البناء» ترشيح «ائتلاف الوطنية» الذي يرأسه إياد علاوي للفريق الطيار فيصل الجربا لحقيبة وزارة الدفاع، باعتبار أن هذه الوزارة من حصة مكونهم السنّي، كما يرفض حزب الاتحاد الوطني الكردستاني إسناد حقيبة العدل إلى دارا نوري الدين المدعوم من الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، مقدمين خالد شواني مرشحاً بديلاً منه، إضافة إلى اعتراضات نيابية أخرى ترى أن زوج صبا الطائي المرشحة لوزارة التربية، كان من المنتمين إلى فدائيي صدام، وهو الجهاز الأمني الخاص بالرئيس الراحل صدام حسين، وأن والدها كان قيادياً كبيراً في حزب البعث المنحل. فيما يعترض نواب مسيحيون على أن هالة كوركيس مرشح وزير الهجرة والمهجرين، لم يمر ترشيحها عبر نواب مكونهم، عدا عن رفض «تحالف سائرون» ترشيح قصي السهيل لوزارة التعليم العالي، الذي سبق أن استقال من منصب النائب الأول لرئيس المجلس النيابي السابق كممثل عن التيار الصدري، وانضم لاحقاً في الانتخابات النيابية الأخيرة إلى صفوف «ائتلاف دولة القانون» برئاسة نوري المالكي، ألدّ خصوم مقتدى الصدر.
من المستغرب أن «تحالف الإصلاح والإعمار» لا يُخفي ارتياحه في تمكنه من إفشال جلسة التصويت بانتهاج الفوضى، حيث أكد صباح الساعدي القيادي في «تحالف سائرون» ورئيس كتلة «تحالف الإصلاح والإعمار» النيابية في مؤتمر صحفي، أن «الإصلاح والإعمار»، ومعهم الاتحاد الوطني الكردستاني، أثبتوا أنهم قادرون على إيقاف المشاريع الخارجية التي تحاول فرض الإرادة على العراق، مغلفاً اعتراضاته بأن «هناك إرادات سياسية خارجية وداخلية تعمل لفرض وزراء في حكومة عبد المهدي بأي شكل كان»، وهو ما رفضه رئيس «تحالف الفتح» هادي العامري في تصريحات صحفية له في الـ8 من الشهر الجاري، قائلاً: «إننا نرفض من يدعي أن الفياض مرشح للداخلية من قبل دول خارجية لتنفيذ أجندات داخل العراق»، مؤكداً أن «اختيار عبد المهدي لرئاسة الوزراء كان قراراً عراقياً بامتياز»، وأنه «إذا يوجد تدخل فعلاً في الشأن العراقي فهو من قبل السعودية والأميركيين».
فيما اعتبر نوري المالكي رئيس «ائتلاف دولة القانون» في تصريح صحفي في اليوم ذاته، أن «تغيير الفياض يدل على فرض إرادات من «تحالف سائرون» على البرلمان والحكومة وبطرق غير دستورية».
وبعد أن أخفق مجلس النواب في عقد جلسة تالية له في الـ6 من كانون الأول الحالي، التي أجلت إلى الـ8 منه، ومن ثم إلى اليوم الذي يليه، أُعلن عن تأجيل آخر لعقد جلسته لغاية اليوم الثلاثاء الـ18 منه.
وفي ظل الاعتراضات على الترشيحات التي تبدو أنها شخصية، فإن احتمال التفاهم والتوافق ضمن مناخات متشنجة تمنع معركة كسر العظم بين ائتلافَي «الإصلاح والإعمار» و«البناء» يبدو مستبعداً، خصوصاً مع تصاعد حدة الخطاب السياسي بين التحالفين التي لم يعد بالإمكان التراجع عنه، حيث تتجه الأمور نحو المواجهة النيابية باللجوء إلى التصويت داخل المجلس كخيار أخير.
إن المرجعية الدينية الشيعية بحكمتها المعهودة وحدها قادرة اليوم على ضبط إيقاع العملية السياسية الجارية، ومنعها من الغرق مجدداً في بحر المناكفات الكيدية الضيقة، بإسكات المتكلمين باسمها والمفسرين لتوجيهاتها على هواهم، بدفعهم للتوافق بشأن باقي المرشحين، مثلما وقفت في وجه دعوات حل وتفكيك «الحشد الشعبي» بعد انتصاره على تنظيم داعش الإرهابي، وأفشلتها، لإدراكها بأن المؤامرة على العراق لم تنته بعد.
إن الاستمرار في سياسة المسايرة فيما بين القوى السياسية، ستضع بالمحصلة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أمام نتيجتين، إما الاستقالة أو التسبب في إخفاق حكومته تالياً، لأنه لم يختر وزراءه بحرية كاملة كما وعد بذلك، خاصة أن العراق يكافح بصعوبة لإعادة الإعمار والتعافي بعد ثلاث سنوات من الحرب المدمرة ضد تنظيم داعش، وسط ظروف تآمرية لكسر إرادته في مواجهة قوى الإرهاب وداعميه، والخشية الدائمة من أن يصبح إحدى قوى محور المقاومة المؤثرين في المنطقة.
لقد مر أكثر من سبعة أشهر عن انتهاء الانتخابات النيابية التي جرت في الـ12 من أيار الماضي، والعراقيون الذين لم يبخلوا بدمائهم لحماية العراق وحريته ووحدة أراضية، ينتظرون بغضب وصبر حكومة تلبي احتياجاتهم الحياتية الأساسية، فهل يحقق الحكماء والسياسيون له ذلك؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن