الأخبار البارزةشؤون محلية

«الوطن» تفتح ملف محطة «القليعة الدلبة» للصرف الصحي في طرطوس … لمصلحة من الإبقاء على مكان المحطة رغم مخاطرها وخسائرها الكبيرة؟ .. لماذا تراجع خبير جامعة دمشق عن رأيه الفني وقدم تبريراً مخالفاً لباقي الآراء؟

| محمود الصالح

الكثير من إشارات الاستفهام توضع وراء الغايات والأسباب التي كانت الدافع في الإصرار على هدر أكثر من ستة مليارات ليرة وتلوث عدد من الينابيع المهمة وسد الدريكيش في محافظة طرطوس.
«الوطن» اليوم تفتح ملف هذه محطة «القليعة– الدلبة» معتمدة على الوثائق الرسمية والفنية والاهم من كل ذلك شهادة الآلاف من أبناء مدن الدريكيش وجنينة رسلان وحمين إضافة إلى أبناء 58 قرية في تلك المنطقة.
الحكاية بدأت عام 2006 كما يتحدث بها علي سليمان أحد أبناء هذه القرى الذي حصل على تفويض رسمي من أبناء تلك القرى، اختارت اللجان المختصة هذا الموقع بحجة عدم قدرتها على إضافة 2 كم إلى خط المجمعات الرئيسية الذي سيغذي المحطة بمياه الصرف، علماً أن هذا الخط منفذ قبل البدء بإنجاز المحطة وهذا مخالف فنياً وصحياً حيث يتم الآن تصريف مياهه في الأراضي، والموقع الجديد للمحطة يقع وسط سرير نهر قيس الذي يعتبر من الأنهار المهمة في المنطقة والذي يغذي سد الدريكيش حيث يبلغ عرض سرير النهر 120 متراً في بعض المواقع ومن هذا السرير تنبع عشرات الينابيع التي ترفد نهر قيس بالمياه العذبة كما أوضح ذلك تقرير مؤسسة الجيولوجيا إضافة إلى عدم وجود إمكانية فنية لحماية جسم المحطة في حال أقامته في هذا المكان من الفيضانات التي تحدث بين عام وآخر وجميع التقارير الفنية تؤكد أنه في حال الاستمرار في تنفيذ المحطة في هذا المكان فسيؤدي إلى تلوث ينابيع الدلبة والعيدون والهني وهذه الينابيع تشكل المصادر الرئيسية للمياه النقية والتي يمكن استثمارها إضافة إلى الينابيع الأخرى.

الجيولوجيا رفضت
زارت فرق فنية من مؤسسة الجيولوجيا الموقع وقدمت تقريرها برقم 986/و/7 تاريخ 6/8/2018 قالت فيه إن هذه المنشأة في حال تنفيذها فإن أي كمية هطل للأمطار كما حدث في 12/5/2018 ستؤدي إلى انهيار الجرف الصخري ويؤدي إلى جرف هذه المحطة وانهيارها بالمطلق ما يؤدي إلى تلوث بيئي كبير لا يمكن معالجته بسهولة للمستويات المغذية للمياه الجوفية للينابيع الرئيسية في المنطقة، وسيؤدي إنشاء المحطة في هذا الموقع إلى تلوث الينابيع الواقعة على الضفة الشمالية لسرير النهر، تساقط وانهيار الصخور الملاحظ على الضفة الجنوبية لسرير النهر يمكن أن يتكرر وخاصة إذ إن الصخور الغضارية الطرية توجد في الأسفل وهذا سيؤدي إلى أضرار على أي منشاة تقام في المكان ومن ثم فإن إقامة المنشأة في سرير النهر غير مبرر.

اعتراض المتضررين
في عام 2015 تقدم الأهالي باعتراض على تنفيذ المحطة مبررين سبب اعتراضهم أنها ستشكل خطرا على مصادر مياه الشرب في منطقتهم نتيجة تسرب مياه الصرف الصحي من المحطة وخطوطها إلى الينابيع والمياه الجوفية المغذية للينابيع، وكذلك لان هذه المحطة ستكون عرضة للانجراف بسبب الفيضانات والتهدم بسبب انهيار الجرف الصخري الواقع إلى جانبها، وهذا يهدد حق الأهالي والأجيال القادمة في مياه الشرب، ولم تتم إجابة الأهالي وتوقف العمل حتى تشرين الأول عام 2016 وشكلت لجنة فنية من قبل محافظ طرطوس لدراسة الموضوع وتقديم المقترحات، توصلت اللجنة إلى رأي أن محور تغذية هذه المحطة من حدود مصياف منفذ في 2007 بأنابيب إسمنتية سيئة ونتيجة وصل البلديات التي يمر فيها الخط للشبكات أصبح يفيض على الأراضي الزراعية واقترحت اللجنة وضع أنبوب «باي باص» من موقع المحطة إلى الغرب 5كم.
تمت مناقشة الموضوع في المحافظة خلال اجتماع وزير الموارد في المحافظة وتقرر أن الموقع ليس مناسباً للمحطة وتم توقيع محضر الاجتماع من محافظ طرطوس ولكن هذا المحضر لم ينفذ، وتم اعتماد إجراءات مخالفة لذلك.

جامعة دمشق ترفض
وأحد الخبراء يتراجع
صدر عن جامعة دمشق تقرير فني برقم 760 / ص هـ م تاريخ 25 /4/2018 توصل إلى أن موقع المحطة غير مناسب بسبب إحاطته بعدد من الينابيع وقربه من السد وأي تسرب سيؤدي إلى تلوث هذه الينابيع والسد وخسارتها كمصدر مائي، تدل الوثائق الصادرة عن الجهات المعنية بحماية المصادر المائية إلى أن المحطة تقع بجانب مجرى نهر القيس الحالي وضمن مجراه القديم وضمن الموجة الفيضانية للنهر التي يمكن أن تعرضها للتدمير مما يتطلب تغيير موقعها إلى مكان آخر، يجب اتخاذ جميع التدابير الهندسية في الموقع المقترح بعد السد لتجنب تلوث الينابيع المستخدمة كمصدر رئيس لمياه الشرب، وهذا التقرير موقع من عدد من أساتذة جامعة دمشق كلية الهندسة المدنية والنائب العلمي للكلية وعميد الكلية. ولأن هذا التقرير لم يأت على هوى البعض تم التفاوض من قبل الوزارة مع أحد الخبراء في الجامعة الذين أعدوا التقرير وحصلوا منه على تقرير جديد بتاريخ 9/8/ 2018 حيث أورد فيه انه نوه في تقريره السابق إلى ضرورة الانتباه إلى الموجة الفيضانية والتي تؤدي إلى غمر المحطة، ولكن تبين من الوثائق التي تسلمتها من مدير الصرف الصحي في وزارة الموارد أن موقع المحطة لا يتأثر بالموجة الفيضانية الناتجة عن العاصفة المطرية التي تواترها 1/1000. الأمر الآخر الذي بينته الوثائق التفصيلية هو أن المحطة أخفض طبوغرافياً من الينابيع المجاورة ولا تؤثر في جبهة التغذية وبالتالي لا يوجد تأثير سلبي في موقع المحطة المختار ولا يسبب التلوث. هذا التقرير يدفعنا إلى أسئلة كثيرة منها هل إلى هذه الدرجة تستسهل جامعة دمشق إعطاء آراء فنية قد تؤدي إلى كوارث؟ ولماذا لم يتم الطلب من جامعة دمشق والخبراء الآخرين في التقرير الأصلي الرأي والتوقيع على الرأي الثاني الذي أبداه أحد الخبراء؟
بعد ذلك تلقفت وزارة الموارد هذا التبرير من «الخبير المنفرد» وسطرت الكتب إلى مدير شركة الصرف الصحي في طرطوس ومحافظ طرطوس حيث أكدت لهم بناء على تقرير خبير جامعة دمشق الجديد أن الينابيع أعلى من موقع المحطة وفي ذلك تزوير الجغرافيا كما يؤكد الأهالي والخرائط وبناء على ذلك وجه مدير عام الصرف الصحي في طرطوس كتاباً إلى الشركة العامة للبناء رقمه 1247/ ص 2 تاريخ 14/ 8/ 2018 لمتابعة العمل في موقع المحطة.
تناقض صارخ
أرسلت وزارة الموارد الكتاب رقم 68 ص. م. و تاريخ 26 / 6/ 2018 وفيه تشرح أن المحطة لا تسبب التلوث وهناك إجراءات متخذة وقد تراجع خبير جامعة دمشق بعد أن عرف الحقيقة والغريب أن كتاب خبير جامعة دمشق مقدم إلى معاون وزير الموارد بتاريخ 7/8/2018 ومسجل برقم 3684 / ص 3 / م ف تاريخ 9/ 8/ 2018 أي بعد شهر ونصف من تاريخ إرسال كتاب الوزارة إلى محافظ طرطوس، وهذا يطرح سؤالاً مهماً جداً: كيف عرفت وزارة الموارد رأي الخبير وتقريره قبل شهر ونصف الشهر من تسجيله في الوزارة ومن تحويلة معاون الوزير المسطرة على تقرير الخبير المنفرد. هذه إشارة استفهام عن الدافع إلى استمرار تنفيذ المحطة في الموقع الحالي.
وقبل أن نختم هذه الملف هناك الكثير من الأسئلة المطروحة تحتاج إلى إجابة. لمصلحة من الإصرار على إبقاء المحطة في هذا المكان؟ ولماذا تراجع خبير جامعة دمشق عن رأيه بعد أشهر؟ ولماذا لا يتم نقل المحطة إلى المكان المناسب بعد السد؟ ولماذا هذا التناقض في الوثائق؟ والسؤال الأهم أين الجهات المعنية في طرطوس من كل هذا الملف؟ ولماذا تعمل الجهة المنفذة «متعهداً بالباطن» ليلاً نهاراً وهذا ليس متعارفاً عليه في مشاريع القطاع العام؟ كل ذلك نضعه بين يدي وزير الموارد المائية الجديد حيث لم يكن أي من هذه الإجراءات في عهده.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن