ثقافة وفن

أحب الألوان الدافئة ولقد أثر الخريف فيّ كثيراً … خير اللـه سليم لـ «الوطن»: أنا لا أحب المباشرة في التعبير.. وما قدمته حالات لأشخاص يعيشون الحرب

| سوسن صيداوي

صور لحالات إنسانية معيشة، نصطدم فيها وتصادفنا بشكل يومي، المشاعر ليست غريبة عن قلوبنا، إنها تتذبذب مع الأفكار الحبيسة في العقول التي قيّدها واقع أسود دام لحرب استمرت سبع سنوات على الأقل. هو فنان تشكيلي بقي صامتاً بعيداً عن الكلام، واكتفى بمجموعة ألوانه الممزوجة عبر خطوطه الرصينة التكوينات، أن يدخل بالعمق ويقدم لنا بوحاً من نوع مختلف متجسداً بأربع وعشرين لوحة، رسمها الفنان التشكيلي خير اللـه سليم وقدمها للجمهور ومتابعي الحركة التشكيلية-بعد عمل دؤوب استمر لعامين- في معرض تم افتتاحه في صالة غاليري جورج كامل بدمشق.
للحديث أكثر عن دفء الألوان والنمط المتناسق بين المجموعة المعروضة، مع آراء لجانب من الضيوف نترككم مع المزيد:

لقاء مع الفنان
بداية أخبرنا الفنان التشكيلي خير اللـه سليم بأن تجربته الحالية فيها من الاختلاف والتجدد «أصبح لدّي تقنية جديدة، مختلفة عما كسبته من تقنيات قديمة، هذا وأيضاً طريقة تعبيري اختلفت قليلاً عن السابق، حتى الألوان التي استخدمتها خضعت لدراسة مني والكثير من التجارب».
عن سؤالنا لماذا لم يطلق اسماً على المعرض على الرغم من أن حضور المرأة فيه قوي جداً، أجاب: «أنا لا أحب أن أطلق على المعرض اسماً، لأن عنوان المعرض سيقيّد المشاهدين بالعنوان المطروح، ويأخذ بأفكارهم كي تصب حوله فقط بعيداً عن أي أفكار أو خيالات أخرى، وصحيح أن حضور المرأة قوي جداً في كل الأعمال، ولكنني لم أقصد المرأة بالذات- كثيراً ما يتم سؤالي عن هذا الموضوع- وهنا أقول: أنا أنطلق من المرأة لكونها مرآة المجتمع، وهي برأيي الأكثر قدرة في التعبير عنه، حتى أكثر من الرجل أو الطفل. إذاً المرأة هي مادة تمكنني من الوصول إلى كل الأفكار التي أرغب في أن أصوّرها، وبالنسبة لمواضيع الأعمال المطروحة في المعرض، هنا أوضح بأننا خرجنا من حرب أو أزمات، وأنا لا أحب المباشرة في التعبير عنها، بل يمكننا أن نترك هذا الموضوع سواء للسينما والتلفزيون والفوتوغراف، على حين الفن التشكيلي -برأيي- يمكن الفنان من الدخول إلى صلب المعاناة كي يعبر عنها بشكل حقيقي وأكثر عمقا، وما قدمته من لوحات هي لحالات من الأشخاص يعيشون خلال الحرب، سواء المرأة التي فقدت ابنها أو زوجها أو حبيبها، في إطار لحالات من مشاعر الانتظار والخوف والرعب، كما رغبت في أن أعبر عنه من دون تمثيله بأشكال أو عناوين مباشرة، فكل لوحة تجسّد قصة لما يدور لأشخاص محيطين بي، إذاً المعرض ليس بغريب عما نعانيه في مجتمعنا من مشاكل وقصص اجتماعية عبرت عنها بحقيقتها واكتفيت بالإيحاء بها بطريقة جمالية مرهفة بعيدة عن العنف والقسوة الكامنة فيها».
وبالنسبة لحداثة الأعمال وابتعادها عن الفوضوية يتابع: «لم أغص في الحداثة وابتعدت تماماً عن الفوضوية مكتفياً ببساطة التعبير عن نفسي فقط، فرسمت ما هو مناسب وغير مختلف عني، أرفض التقليد، وأنا أقدم انفعالاتي بأسلوب مهني احترافي غير معقد أو متكلف من ناحية اتباع المدارس الأخيرة التي يرى بها المشاهد أموراً جميلة، وإن تمّ اقتناء العمل وعُلق في أحد المنازل لا أرغب في أن يكون منفّراً، بل أتمنى بما يحويه من تمازج لوني وتكوين بأن يبث طاقة إيجابية».
وعن احتواء اللوحات على تكوينات لونية منسجمة مع غيرها في تمازج دقيق ومقصود يقول الفنان التشكيلي خير الله «أنا أحب الألوان الدافئة وفي الأعمال التي أنجزتها مؤخراً، أثر فيّ الخريف كثيراً، واستخدمت الكثير من ألوانه وتدرجاتها ووجدت بأنها الأنسب، محاولاً ألا يكون هناك تناقض سواء بين المجموعة التي تمّ اختيارها للعرض أم حتى في اللوحة نفسها».
ذكر لنا فناننا بأنه تمّ اختيار اللوحات المعروضة الخمس والعشرين من بين ثلاث وأربعين لوحة، وعن صعوبة الاختيار والتعامل مع الأحجام الكبيرة والمتوسطة تابع: «بالعادة أنا أعمل على القياس العادي متر×متر، أو متر× 80 سنتمتراً، ولكن لم أجد أي صعوبة بالعمل على الأحجام الكبيرة، أما بالنسبة للسماكات فقد عملت على أرضية العمل فقط، وعن اختيار اللوحات المعروضة، لقد كان الأمر صعباً للغاية، فكل اللوحات أولادي، وما أحب أن أشير إليه بأن الأعمال الثلاثة والأربعين هي حصيلة مدة زمنية تصل إلى سنتين، ولا أخفيك أمراً، لطالما حطمت الكثير من الأعمال التي كنت أقوم برسمها، وأعيد رسم الموضوع نفسه في العديد من المحاولات، حتى أصل إلى مكان أجد فيه أن هناك حبا قوياً بيني وبين اللوحة، وبصراحة كنت توقفت عن العمل التشكيلي لمدة عشرين عاماً وانقطعت انقطاعا تاما إلى ما قبل الأزمة بعدة أعوام حيث عاودت الرسم حتى اللحظة».
وأخيراً لابد من الإشارة إلى أن الفنان خير اللـه سليم متابع مجتهد لمعارض زملائه الفنانين التشكيليين بالخصوص، وللحركة التشكيلية عموماً، وفي ختام حديثنا معه أكد لنا «أنا أجد أن الحركة التشكيلية السورية مبشّرة بالخير وفيها من الأمل الكثير، صحيح أن هناك العديد من الإرهاصات ولكنّ الأخيرة موجودة أينما كان ولا يمكننا أن نسقطها علينا، وبالمقابل هناك الكثير من الفنانين ما زالوا يرسمون بالأقبية وأعمالهم رائعة جدا، هؤلاء سيخرجون للنور. وفي النهاية أختم إن الحركة التشكيلية السورية موجودة وهي معافاة تماما وسيأتي يوم وسيظهر فيه الكثير من الفنانين التشكيليين الرائعين».

يعمل بجد وصمت
من جانبه عبّر الفنان التشكيلي عدنان حميدة عن جمالية المعرض بلوحاته مشيراً إلى أنه يتابع الفنان التشكيلي سليم منذ زمن بعيد، قائلا «في الحقيقة أنا أتابع فناننا من قبل تخرجي في كلية الفنون الجميلة. كان يعمل كثيراً في مجال (البوسترات) الإعلانات، وفي الواقع دأبه واجتهاده مكّناه من تطوير تجربته من الواقعية المباشرة إلى التعبيرية، أما بالنسبة للتجربة الحالية، ففيها محاولة جدّية بتعبيرات إنسانية، من حيث التحويرات المعبرة سواء بالوجوه أم الأيدي والأجسام. والمعرض كله يتخلله ما يمكنني أن أسميه وحدة النمط، وأنا لاحظت أنه استخدم في أعماله الأخيرة تقنيات مختلفة ببعض الخطوط سواء أكانت مشغولة بالفحم أم بالباستيل، وبالطبع هذه الخطوط موظفة بدقة وبمكانها الصحيح ضمن أعمال فنية متميزة. هذا من جهة ومن جهة أخرى، على الرغم من أننا نشاهد في الأعمال وجوها ثنائية أو أحادية، فإن فيها تكوينا يسمى التكوين الرصين أو المتين. وأحب في النهاية أن أضيف إن خير اللـه سليم فنان تشكيلي مجتهد يعمل بجدّ كبير، وما يميزه صمته الذي يلتزم به دائماً كي يفاجئنا بالنتيجة، وأخيراً أعتقد أن أعماله هي نتيجة سبع سنين من المجهود، واللوحات بعيدة عن المباشرة ولكن فيها مضمون عن الحالة السورية عبر تعابير الوجوه».
معرض باعث للدفء

على حين حدثنا د. إحسان العر رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين عن رأيه في التجربة الحاضرة «بداية وقبل أي كلام متعلق بالفن أحب أن أقول إن ما يميز معرض خير اللـه سليم أنه رغم البرد القارس في الخارج، فإنه منحنا عبر الألوان المطروحة والأعمال الجميلة والمنسجمة كلّها بعضها مع بعضها الآخر جوا من الدفء العارم. صحيح أن فناننا مقل بالمعارض ولكن هذا المعرض يغني عن أكثر من معرض، ومن خلال متابعتي للأعمال المطروحة، المُشاهد يرى أن هناك نمطين للمجموعات اللونية ولكن بالعموم الأسلوب موحد، وهذا الأمر ينم عن خبرة الفنان والهدف المنشود من لوحاته، سواء من خلال اللون أم الخط أو الموضوع، إضافة إلى الانسجام الواضح عبر التكوينات الفنية. إذا هناك هدف معين في مخيلة الفنان واستطاع أن يوصله للمتلقي عبر الربط بين كل الأعمال. وأحب أن أختم هنا بملاحظة صغيرة إن هناك بعض الأعمال التي جذبتي بشكل كبير، ولكن في البعض الآخر لا أرغب في أن أقول إنها أقل مستوى-عذراً- بل هي أقل استلطافاً للمشاهد من اللوحات الأخرى، وبرأيي يعود السبب الرئيسي لكون فناننا مغرقاً في التعبيرية، الأخيرة يلجأ إليها كي يعبّر عن فكرة معينة، لكنها توصله إلى مكان يبعده عن هدف المتلقي أو الفنان نفسه».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن