ثقافة وفن

الدراما الإذاعية.. سبعون عاماً ويومان

| أحمد محمد السح

تغيرت تقانات العصر وتغيرت مفاهيم الإرسال والاستقبال ونحن اليوم في عصر التواصل الاجتماعي الذي يسم العصر بالسرعة والفوضى في آن، نحن في زمن نستطيع القول إن كل من يحاول أن يتجاهل الناس ستتجاهله عجلة الحياة، في زمنٍ باتت فيه كل النظريات في الإعلام والفنون وربما في مجالات الحياة كافة على المحك، ربما يبقى بعضها ويختفي كثيرها، ليحلّ مكانه نظريات جديدة لا نستطيع تلمّسَ معالمها لكن الأيام للناس وحدهم، كمشاركين في العملية الإعلامية لا مجرد متلقين. «سبعون عاماً من العطاء» هذا هو الشعار الذي رفعته الورشة المخصصة للدراما الإذاعية التي أطلقتها وزارة الإعلام السورية برعاية الوزير عماد سارة، وإشراف دائرة التمثيليات، في خطوة تعتبر رائدة، للوقوف مع فن الدراما الإذاعية الذي سُمِعت بعض الأصوات في الشارع الثقافي تنادي بدفنه من دون الترحّم عليه حتى، ولكن من يعرف دائرة التمثيليات في مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون يعرف أنها خلية نحل وأن العمل فيها لا يتوقف وأن إنتاج الأعمال والبرامج الإذاعية لم يتوقف في أصعب سنوات الحرب في سورية، وهذا ما أوكل للعمل مآلات فيها نجاحات كثيرة وفيها بعض العثرات، ومن لا يعمل لا يخطئ، ففي كل خلايا النحل في الطبيعة ليس كل العسل صافياً، وهذا من طبيعة مسارات الحياة، الورشة قسمت العمل على يومين في التاسع والعاشر من هذا الشهر كانون الثاني للعام 2019، وافتتحت بشكلٍ رسمي، وقد اقتصرت فيها الكلمات على كلمتين للسيد الوزير عماد سارة، والأستاذ المخرج باسل يوسف، الذي أكد في كلمته العمل على بناء متين هو سبعون عاماً كان فيه للإذاعيين السوريين الرواد أسس متينة نعمل اليوم على التمسك فيها والبناء عليها، وأما السيد الوزير فقد تحدث عن أهرامات للفن السوري في الكتابة والتمثيل والإخراج وعن اهتمامه بمنجزات الدراما الإذاعية وتَركَ المجال مفتوحاً للحوار والنقاش للمدعوين للورشة لاستخلاص مقترحات وتوصيات سيكون الوزير حريصاً على استصدار قرارات داعمة في خصوصها، معلناً بعدها انطلاق الورشة التي انقسمت إلى أربع ورشات: «النص الإذاعي- الإخراج الإذاعي – التمثيل – القراء والنقاد». بدت الهواجس كثيرة وأولى المشكلات التي أعلن عنها انخفاض الأجور للعاملين في الدراما الإذاعية في مختلف الاختصاصات، فعلى سبيل المثال لا الحصر: يتقاضى قارئ النص الإذاعي ستين ليرة سورية فقط مقابل قراءة سهرة تلفزيونية، وعلى هذا نستطيع القياس في مختلف الجهود، ولكن بالمقابل نستطيع القول إن الحب والشغف لا المال هما سبيل استمرارية عمل دائرة التمثيليات وعدم توقف نبض الدراما الإذاعية. ومن ناحية أخرى برزت مشكلة التسويق للدراما الإذاعية فالإنتاج في هذا القطاع رسمي صافٍ فلا دعم ولا تدخل للقطاع الخاص على الإطلاق، هنا نخرج من دوامة المال القذر ذي المآرب السوداء والأجندات المشوهة التي عبثت بالدراما التلفزيونية السورية وانحدرت بقيمها الفنية والثقافية، ولكن بالمقابل ليس كل المال الخاص قذر، ويمتلك القطاع الخاص المرونة في الحركة والدعم مضاعفة عن القطاع العام، وهو قادر على خلق فرص عمل جديدة للاستثمار في هذا المجال كما أن الإذاعات الخاصة – التي سجل حضورها الشامل عن الورشة وكأن الأمر لا يعنيها – كان من الضروري أن تعنى بهذا القطاع فإن لم تستطع الإنتاج للدراما الإذاعية تستطع المشاركة وشراء الأعمال الإذاعية الضخمة التي يقدر عددها في أرشيف الإذاعة بمئة وخمسين ألف ساعة بث إذاعي وربما أكثر، أفلا تستطيع أي إذاعة خاصة شراء «بلوك» درامي إذاعي مدته ربع ساعة لتبثه على الجمهور الخاص بها لتتعرّف أجيال جديدة على هذا الفن الذي ربما لم يعرفوه اليوم، بدل القيام ببث مسلسلات تلفزيونية، صوتاً من اليوتيوب لملء الفراغ الإذاعي الذي تعانيه. ومن الأشياء التقنية الضرورية في الدراما الإذاعية هو الحرص على التجديد والإغناء الدائم للمكتبة الموسيقية والمؤثرات الصوتية، ليتاح إمكانية أكبر في جعل العمل متكاملاً وغنياً ومفهوماً للمتلقي، والابتعاد عن الاستعانة بالموسيقا الجاهزة المأخوذة من المسلسلات بل العمل على فتح فرص عمل جديدة للموسيقيين الشباب خريجي المعهد العالي للموسيقا لتأليف موسيقا خاصة بالعمل الدرامي الإذاعي، وإعداد ورشات تدريبية لتأمين كوادر كتّاب للدراما الإذاعية، لكون هذه المهنة لا يوجد لها في سورية اليوم من هو متحصل على اختصاص كاتب إذاعي ولكن لدينا خبرات بالممارسة تستطيع نقل خبراتها إلى الأجيال الراغبة في استمرار هذا الفن الأصيل، ومن المهم بالنسبة للجمهور ومن ثم للإذاعيين أنفسهم أن يعرفوا أن الإذاعة لا تنافس التلفزيون والعكس صحيح، الإذاعة تنافس إذاعة، وعلى كل من التلفزيون والإذاعة أن يتسابقا اليوم في عملية شدّ كبرى للجمهور لتحصيل جمهور أكبر لتثبيت مكانتها في عالم تعصف به وسائل التواصل الاجتماعي بكلّ شيء، فالأيام تنبئ أن التلفزيون في خطر كانت الإذاعة والصحيفة الورقية قد دخلتا فيه قبل فترة.
يتضح اليوم أن المنافسة كبيرة وأن العمل في الدراما الإذاعية يحمل من الصعوبات الكثير، ومن المؤكد أن هذه الورشة ستقدّم قفزة واسعة للدراما الإذاعية إلى الأمام إذا ركبت موجة التواصل الاجتماعي بحرفية، وإذا ما ساهمت بالوصول إلى الناس حاملةً معها مقتضيات عصرهم فلا فن بلا جمهور يستفيد منه ويعبّر عنه، وإلا كان الأمر لغواً لا أكثر، وربما يقع هذا المقال في إطار الشد على أيدي المشتغلين بهذا القطاع النظيف، والأمل كله بأن تسهم هذه الورشة في بلسمة جراح الإذاعيين الكثيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن