قضايا وآراء

يصادقون العدو ويعادون الصديق

| د. يوسف جاد الحق

من الأهداف الخفية غير المعلنة لحرب «إسرائيل» وتحالفها مع أميركا العدوانية على غزة والضفة وسورية أن تصبح إيران هي «العدو»، وأن تغدو «إسرائيل» صديقة ورفيقة وربما حبيبة إلى قلوب من يقبل بهذا المنطق المقلوب والرخيص من العرب.
ترى هل أضحى بين العرب من عميت بصائرهم إلى درجة فقدان القدرة على التمييز بين الصديق والعدو «إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور».
هل أصيب هؤلاء بمرض عمى الألوان بالفعل وهل بين العرب هؤلاء من يجهل تاريخ سبعين سنة أو تزيد، من الاعتداءات والحروب الإسرائيلية على أمتهم التي قد لا نجد أحداً من أبنائها لم يصب على أيدي الإسرائيليين في عزيز؟ أم تراها المصالح الضيقة الآنية هي التي أعمت بصائر هؤلاء مصرفتهم عن النظر قليلاً إلى مستقبل أبنائهم وأحفادهم إذا ما قيض لإسرائيل النجاح في مراميها بعيدة المدى؟ ألم يسأل هؤلاء أنفسهم لماذا تعادي «إسرائيل» وأميركا إيران؟ هل هناك من سبب غير موقف إيران من القضية العربية الفلسطينية، وهي التي من أجلها ناصبت «إسرائيل» وأميركا إيران العداء كما هو الحال مع سورية العربية؟
رأى الإيرانيون بعد زوال عهد الشاه وانتصار الثورة الإسلامية أن بلادهم عادت إلى وضعها الطبيعي تجاه القضايا العربية الإسلامية، فبادرت إيران عند قيام الثورة والخلاص من شاهنشاه إيران إلى إغلاق السفارة الإسرائيلية في طهران، لتحل مكانها سفارة لفلسطين. ومنذ ذلك الحين درجت إيران على إقامة يوم للقدس في كل عام، يقع في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، الأمر الذي لم تقدم عليه أي من الدول العربية. صاحبة الشأن الأول في القضية الفلسطينية. دافع إيران إلى هذا التوجه الإسلامي إيمانها بأن فلسطين قضيتها هي أيضاً بوصفها ـ إيران ـ بلداً إسلامياً. وأن رابطة العقيدة الإسلامية بين إيران وفلسطين هي عاصمتها القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين، حاضنة المسجد الأقصى الذي بارك اللـه حوله، فهي إذا أرض مقدسة بالنسبة للإيرانيين. يقع عليهم واجب الدفاع عنها والجهاد في سبيل نصرتها وتحريرها، سواء بسواء كاهلها تماماً. ومن ثم فهي تناصر أيضاً المقاومة الإسلامية في لبنان وتدعم بالمال والسلاح والرجال «حزب الله» في حربه المتصلة مع العدو الصهيوني وكيانه الغاصب المحتل. إيران تعرف أن اليهود كانوا منذ الفتح الإسلامي وحتى يوم الناس هذا هم الأعداء الألداء للإسلام والمسلمين. وهي بذلك لا تفرق بين أحد من المسلمين. الجميع لديها سواء.
هذا التوجه الإيراني ذاته هو السبب، دون غيره، الكامن وراء معاداة الغرب ـ الأوروبي والأميركي وصنيعته حليفته «إسرائيل» لإيران المسلمة.
إذاً كيف ينفق أن يشايع بعض العرب وبعض المسلمين، الغرب و«إسرائيل» فيناصبون إيران العداء؟ كيف يوادّون العدو المشترك لنا ولإيران، وينساقون وراءهم لسعيهم لاستبدال المواقع، فيصبح العدو صديقاً والصديق عدواً.
فما بالنا والموادة هذه مع عدو الأمة بمسلميها ومسيحييها على حد سواء؟
بوادر هذا التوجه لوحظت سافرة في الآونة الأخيرة لدى فريق من الأنظمة العربية التي باتت معروفة. بل إن من بين هؤلاء من يأخذ على إيران تقديم العون للفلسطينيين في معركتهم مع العدو المحتل لديارهم. ويعد ذلك عملاً مداناً، بدعوى تدخلها في قضايا تخص العرب وحدهم؟ ويتناسى هؤلاء أنهم يسمحون بالتدخل السافر، بل الاعتداء المباشر من قبل من يوالونهم من أميركيين وإسرائيليين. يحدث هذا بدلاً من توجيه الشكر لإيران على مواقفها النبيلة الجليلة الفاعلة إذ هي تمد إخوتهم بالعون المادي والمعنوي على كل صعيد، وكان حرياً بهم وأجدر وأولى أن يبادروا هم إلى فعل ما تقوم به إيران.
لقد عملت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس نفسها على تأجيج نيران هذا العداء لإيران، متخذة من حكاية التسلح النووي الإيراني «المحتمل» سبباً لتخويف بعضهم. مع أن هذا التسلح هو في مصلحتهم قبل غيرهم، إذ من شأنه أن يكون رادعاً لإسرائيل التي تملك الآن، وفي هذه الساعة ما لا يقل عن أربعمئة قنبلة نووية، أكبر أثراً وأعظم تدميراً من قنبلتي هيروشيما ونجازاكي المعروفتين. أليس الأولى بالعرب أن يخشوا قنابل «إسرائيل» القابعة في مرابضها بانتظار «كبسة زر» لتنقض على مدنهم وحواضرهم وبواديهم، في حين أن قنبلة إيران الأولى مجرد احتمال قد لا يقع؟
أميركا و«إسرائيل» لا تريدان لأي بلد عربي أو إسلامي ـ دون سائر خلق اللـه ـ أن يمتلك سلاحاً نووياً. هذا مع أن إيران حتى الآن ما برحت تعلن على الملأ بأن أبحاثها لم تتجاوز، ولا تنوي أن تتعدى حاجز استخدام الذرة في المجالات السلمية، كالطاقة والطب وما إليها. وأنه، مرة أخرى، ليس في نيتها على الإطلاق التطلع فضلاً عن العمل على إنتاج سلاح نووي بدافع من حرصها على الإنسان، كائناً من يكون، على ظهر البسيطة من منطلق عقائدي يحرم استخدام سلاح فتاك كهذا من شأنه أن يدمر البشرية، لو أفلت من عقاله لسبب أو لآخر. وقد صرح مسؤولوها بذلك مراراً وتكراراً.
وإنه ليمكننا القول بأن سلاحاً نووياً في حيازة العرب والمسلمين هو ضمانة الردع التي تحول دون استخدام «إسرائيل» لسلاحها النووي إذا ما كانت هي مالكته الوحيدة في المنطقة، لا تخشى رداً من نفس المستوى.. السلاح الذري ردع أكثر منه استخدام، ولنا في ثنائية المعسكرين الشرقي والغربي، في فترة الحرب الباردة بينهما خير مثال. فلقد امتدت الحرب الباردة إلى ما ينوف على أربعين سنة دون أن يلجأ أي من الطرفين إلى استخدام هذا السلاح، لأن كل جانب كان يخشى رد الجانب الآخر بالسلاح عينه، وفي ذلك يكمن الخطر عليهما معاً. ونذكر بهذه المناسبة أزمة الصواريخ السوفييتية في كوبا، وكانت توشك أن تسفر عن حرب ذرية لولا تراجع الزعيمين ـ آنذاك ـ نكيتا خروتشوف وجون كنيدي.
الغرب يسمى قنبلة الباكستان النووية بالقنبلة الإسلامية، ويعلن أنه ضد إنتاج قنبلة إسلامية! هذا في حين أنه لم يسم القنبلة الهندية، التي أعلن عنها في الهند في وقت متزامن مع القنبلة الباكستانية بفارق يوم واحد، كانت فيه الهند هي السابقة، وإعلان الباكستان عن قنبلتها جاء رداً على القنبلة الهندية. لم يسم الغرب القنبلة الهندية يوماً بالقنبلة البوذية أو الهندوسية، كما لم يسم يوماً القنبلة الأميركية أو الفرنسية بالقنبلة المسيحية، أو السوفييتية بالشيوعية ولا هو سمى القنبلة الإسرائيلية بالقنبلة اليهودية! فما معنى هذا إذن إن لم يكن العداء الغربي السافر لكل ما هو عربي وإسلامي؟ هو العداء الغريب الموروث منذ حروب الفرنجة الصليبية الغربية على أمتنا العربية الإسلامية وعلى منطقتنا التي ابتليت بهم على الدوام إلى يوم الناس هذا.
مع هذا كله يلجأ أعراب ـ ينتمون إلى العروبة أصلاً ـ إلى مصادقة أعداء أمتهم، وربما التحالف معهم في وجه أصدقائها المخلصين الصادقين. أمر مؤسف محزن، بل مستنكر ومدان من الأعماق وبحق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن