قضايا وآراء

وجوه التوافق والاختلاف بشأن «بريكست»

| مصطفى محمود النعسان

فازت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بمنع حجب الثقة وذلك بتصويت مجلس العموم بـ325 صوتا لصالحها مقابل 306 أصوات ضدها ومعلوم أن هذا التصويت جاء بعد يوم واحد من رفض مجلس العموم لخطة ماي «بريكست» القاضية بالخروج من الاتحاد الأوروبي.
والحق أن هذين التصويتين متناقضان ومتصادمان ومتنافران مثلما هو متناقض ومتصادم ومتنافر الاستفتاء عام 2016 القاضي بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ثم النكوص عنه الآن لصالح البقاء في الاتحاد وتصويت مجلس العموم الذين يمثلون الشعب البريطاني ويعبرون بشكل أو بآخر عن آرائه وإرادته.
السؤال الذي يطرح هنا ما السبب في تصويت مجلس العموم ضد «بريكست» ثم منع حجب الثقة عن مهندسة الاتفاق وصاحبة الرأي الأهم فيه؟! وما الداعي وما السبب وراء النكوص عن استفتاء 2016؟! ما حقيقة الأمر في هذين التناقضين؟ وما الأسباب والدوافع وراءهما؟!
طبعاً الغالبية العظمى من أعضاء مجلس العموم مع الانفصال عن الاتحاد أي إلى جانب «بريكست» ولكن بشروط جديدة معدلة تضمن توفير رصيد جيد لبريطانيا سواء فيما يتصل بالاقتصاد أو بالحدود مع إيرلندا، وهو بهذا الشكل وبهذا اللون يتناسب ويتلاءم مع تصويت مجلس العموم ضد الاتفاق مع استفتاء 2016 وما يؤكد هذا الأمر الثقة التي منحها النواب لمهندسة «بريكست» تيريزا ماي.
وما يؤكد هذا المنحى ويصب في هذا الاتجاه أن تصويت مجلس العموم ضد «بريكست» ينطوي على ثلاثة احتمالات:
الأول حجب الثقة عن ماي واجتثاث فكرة الانفصال من أساسها وهو ما لم يحصل، أما الاحتمال الثاني فيدعو إلى إجراء استفتاء ثانٍ وتجديد الثقة بماي وهذا الاحتمال تم تجاوزه أيضاً.
أما الاحتمال الثالث فهو الانسحاب من الاتحاد دون اتفاق وهو ما يرفضه في الحقيقة جميع الأطراف بمن فيهم أغلبية المعارضين لـ«بريكست».
بعيداً عن هذه الاحتمالات يبقى لب المشكلة وجوهرها وحوله تدور المساومات ألا وهو السعي لتعديل بعض بنود الاتفاق ومحاولة الضغط على الاتحاد الأوروبي لتحقيق المزيد من المزايا والانجازات في اتفاق الطلاق بينه وبين بريطانيا وذلك لصالح الأخيرة.
في هذا الإطار يمكن فهم معنى اقتراح وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون القاضي بضرورة التفاوض على اتفاق للتبادل الحر فضلاً عن ذلك فإن الكثير من أعضاء مجلس العموم يقفون مع حرية التجارة لكن يعارضون حرية حركة الأشخاص بين دول الاتحاد ويرى المؤيدون لـ«بريكست» أن الخروج الصعب من الاتحاد سيسمح لبريطانيا أن تزدهر.
من جانبه يتهم ديفيد ديفيز الوزير البريطاني السابق الذي كان مكلفاً إدارة خروج بريطانيا من الاتحاد خطة رئيسة الوزراء بأنها معيبة وغير متوازنة وتهدف لإبقاء بريطانيا داخل إطار جمارك الاتحاد وهو أمر غير مقبول على الإطلاق محذرا من أن إخفاق ماي في التوصل إلى اتفاق قد يكون له عواقب اقتصادية وخيمة على بريطانيا وقد يؤدي إلى سداد ما يصل إلى 39 مليار جنيه إسترليني إلى الاتحاد الأوروبي.
في هذا الإطار، أكد زعيم حزب العمال المعارض جيرمي كورين أنه يسعى للتفاوض مجدداً مع بروكسل من أجل صفقة أفضل تضمن مساهمة لندن في الاتحاد الجمركي.
وكان مصدر حكومي أشار إلى أنه يتم العمل للحصول على ضمانات وتعهدات إضافية من الاتحاد لكنه ألمح أن هذه الضمانات قد لا تكون جاهزة قبل استئناف النواب مناقشتهم اتفاق «بريكست» لكن يتوقع أن تكون كذلك بحلول موعد التصويت وهو ما لم يتم في الحقيقة ويكشف ويؤكد أن التنازلات شاقة وليست بالأمر اليسير مع الاتحاد الأوروبي.
الواقع أن ماي أدركت حقيقة العثرة أمام «بريكست» لذلك سارعت إلى التأكيد أنها ستسعى للحصول على ضمانات قانونية وسياسية من الاتحاد بشأن «بريكست».
طبعاً لا يكتمل الحديث ولا تتضح معالمه حول هذا الموضوع دون استعراض ومعرفة وجهات نظر المؤيدين والمعارضين له ذلك أن موضوع الحدود مع ايرلندا الشمالية هو محل شك وخلاف بين المؤيدين والمعارضين حيث يحول دون تنفيذ الاتفاقية في الوقت المحدد بحلول 29 آذار المقبل وسط انقسامات لضم الشمال الإيرلندي إلى جمهورية ايرلندا حيث اعتبرت ماي أنها واثقة من إيجاد حل بشأن ايرلندا الشمالية التي تعد حالياً النقطة الشائكة للخروج بحلول الموعد المقرر وأكدت ماي أن المفاوضين في بروكسل تمكنوا من حسم الخلاف حول حدود ايرلندا الشمالية والجنوبية باللجوء إلى التكنولوجيا التي تتيح تجاوز فرض أي حدود بينهما.
ويرى المؤيدون للبقاء في الأوروبي أن «بريكست» سيئ لبريطانيا إذ ستتخلى بموجبه عن عضويتها في المؤسسات السياسية الأوروبية ما يعني أنها ستفقد التأثير في عملية صنع القرار ووضع القواعد المنظمة لعمل مؤسسات الاتحاد الرئيسية بينما تظل ملتزمة بتنفيذ هذه القواعد التي ستفرض عليها مستقبلاً.
المعهد الوطني للدراسات الاقتصادية والاجتماعية في بريطانيا أكد في دراسة أن «بريكست» سيكلف لندن 100 مليار جنيه إسترليني سنويا بحلول عام 2030، ويصر المؤيدون أن «بريكست» سيحرر بريطانيا من شروط الاتحاد الأوروبي المجحفة وبيروقراطية مؤسساته بينما يرى المعارضون أن «بريكست» يعني تعرض الرخاء الاقتصادي لبريطانيا للخطر وتقليص تأثيرها على الشؤون الدولية زيادة عن التصدع الاقتصادي وزيادة المخاطر على الشركات وكل ذلك يؤكد أن الاقتصاد البريطاني في خطر جراء «بريكست».
في معرض الإعراب عن فوائد الاتفاق قالت ماي: إنه يسمح لبريطانيا باستعادة السيطرة على الحدود من خلال وضع حد لحرية حركة الأشخاص.
وكانت الهجرة موضوعا رئيسيا في حملة استفتاء خروج بريطانيا وأوضحت ماي أن الاتفاق يسمح بأن نستعيد السيطرة على أموالنا من خلال وضع حد للمدفوعات السنوية الضخمة إلى الاتحاد كما أشادت ماي بالاتفاق لأنه يتيح لبريطانيا إبرام الصفقات التجارية الخاصة بها.
على أي حال وحده الزمن هو الكفيل بإثبات صحة أي الاتجاهين أصح وأي الرأيين أنضج وأكثر صوابية وحنكة ودراية في الشؤون البريطانية والأوروبية كما أن الزمن والتجربة هما الكفيلان بإثبات وجوه التناقض والتنافر أو التوافق بشأن «بريكست» أو عدمها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن