ثقافة وفن

العين.. بالمأثور الشعبي

| منير كيال

احتلت العين مكانة ودوراً مهماً بالمأثور الشعبي، بشتى نواحي الحياة الشعبية على الأقل، وقد شمل ذلك جوانب الحياة كافة وقد تمثل ذلك على سبيل المديح والثناء والنهي والزجر.. وإسباغ هالة من الصفات التي تريح المرء، أو الصفات الأخرى المعاكسة لها.
وسنحاول بهذا البحث إلقاء بعض الأضواء على جوانب من دور العين ومكانتها بمأثورنا الشعبي، وذلك لدى عامة الناس في أواسط القرن المنصرم (العشرين) على أقل تقدير.
فقد يطلب أحد الناس إلى صاحبه، أمراً على جانب من الاستحالة أو الصعوبة، فيكون جواب صاحبه بقوله:
على عيني، على رأسي لكون عين المرء في وجهه أو بأعلى رأسه، أو قد تستهجن امرأة فعل امرأة أخرى، فتقول بحقها:
العين الطراءة (المصيبة) للحيلولة دون أثر سلوك تلك المرأة، كون ذلك السلوك لا يروق لها.
ويأتي بهذا المعنى قولهن: عين الحسود فيها عود، وتجعل أيامه سود، وقد يكون ذلك بقولهن:
عين الحسود تُبلى بالعمى.
ومنهن من تستعيض عن ذلك في استذكارها لذلك العمل بقولها: أريضة.
ولعل ليس من المستغرب أن يلحظ المرء بتلك الأيام، قطعة من الكرتون بطول يقارب 40 سم وعرض نحو 30 سم مرسوماً عليها عين، وحولها كتابات أو عبارات تدين ما بتلك العين الحسود.
وكان جيل تلك الأيام يحيل إلى العيون السوداء أكثر من العيون الأصغر التي كان البعض يشبهها بالغرزة في العجين، لكون العين الكبيرة تعطي الناظر إليها قبولاً أكثر من العين الأصغر التي كان يعتبرها البعض أشبه بالغرزة في العجين..
ومن جهة أخرى، فقد كان الكثير من الناس من لا يحب أو يستسيغ المرء إذا كانت أسنانه متباعدة وعيناه زرقاوين، فيعيرونه بقولهم:
«عيونه زرق وأسنانه فرق».
ونذكر أنّه كان من أصحاب المحال أو الدكاكين إذا اضطر إلى مغادرة دكانه، يوصي جاره بقوله:
عينك على الدكان، واصل مشوار صغير.
أما قولهم: عيني عليك باردة، فقد أرادوا بذلك إبعاد ما كان يصدر عن العين من الأذى.
وكان من عادتهم إذا أرادوا التأكيد على جودة ما بيدهم أو ما يرونه قولهم:
عيني يا عيني، للتأكيد على ندرة ذلك، حتى لكأنه خرطه الخراط وقلب مات، وذلك للتأكيد على ندرة توافر المثيل لذلك.
وهم لا يتوانون رجالاً ونساءً عن الإطراء بعفيف النفس، الذي لا يستهويه ما عند الآخرين فيقولون فيه:
عينه مليانة أو شبعانة، على حين يعتبرون الشحيح الدني بأن عينه فارغة لا تني عن حسد الآخرين.
كما أنهم لا يتوانون عن القول:
عيني عليك باردة كناية عن إبعاد العين الحسود بل إبعاد كل ما قد يصدر عن العين الحسود من أذى للآخر.
ويحضرني بهذا المجال قول الشاعر العربي
لله در الحسد ما أعدله
بدأ بصاحبه فقتله
وإذا كان ما أوردناه بهذا البحث بما للعين من دور في مأثورنا الشعبي، إنما كان غيضاً من فيض، فإن من الجدير أن نشير إلى ارتباط ذلك ارتباطاً مباشراً حسياً وجسدياً من حركة أو لمز وغمز فإن ذلك كان مسايراً لتطور معايير الحياة بتلك المشاعر والأحاسيس بالترافق مع تلبية أعضاء الجسم ما يرافق ذلك من حركة أو تفاعل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن