قضايا وآراء

سيناريو التحولات في المنطقة في ظل حرب باردة جديدة

تحسين الحلبي : 

يتساءل عدد من المحللين في الولايات المتحدة وأوروبا عن الأسباب التي تدفع آلافاً كثيرة من الأجانب إلى الانضمام لمجموعات داعش والنصرة بالذات وهما التنظيمان الأكثر قرباً وتقارباً مع الوهابية السعودية، ويشير (مجلس الشرق الأوسط السياسي) الأميركي إلى حقيقة أن عدد الذين يعملون مع مجموعات داعش في العراق وسورية بلغ عشرين ألفاً وهو عدد غير مسبوق للعناصر الأجنبية التي تنتمي لأي منظمة مسلحة أو إرهابية في الشرق الأوسط… ويرى (تشاز فريمان) الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة في السعودية أن الإدارة الأميركية هي التي تسمح بوصول الإسلاميين المتشددين الأجانب إلى منظمة داعش والقاعدة وهي تعرف أن السعودية تعمل ممولاً رئيسياً لكل نفقات هؤلاء الإسلاميين ونشاطهم الإرهابي.
ويبدو أن الإدارة الأميركية توقفت عن متابعة أي وساطة في المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل لأنها قررت التفرغ لنتائج خطتها الشاملة للشرق الأوسط بعد أن سمحت بانتشار داعش وانضمام تركيا إلى الحرب المشتركة مع الولايات المتحدة على داعش إضافة إلى حربها على حزب العمال الكردستاني داخل تركيا.
وهنا يعترف فريمان في تحليله في (مجلة مجلس الشرق الأوسط السياسي) بأن الأهداف الأميركية في المنطقة ما تزال تتطلع منذ فترة طويلة إلى فرض سلام بين العرب وإسرائيل وإطلاق يد إسرائيل بعد ذلك للتحول إلى أكبر قوة إقليمية.
ويضيف إن الهدف الثاني هو تأمين حماية كل مصادر النفط والغاز برعاية أميركية مباشرة والهدف الثالث هو المحافظة على دول المنطقة وتسخيرها على المستوى الدولي في أي مجابهة مع قوى كبرى.
فالأهداف الأميركية أصبحت مكشوفة وبرغبة أميركية لزيادة إمكانية قدرة الردع الأميركية على المستوى الإقليمي والدولي رغم أن هذه الأهداف تعتبر من طبيعة السياسة الأميركية منذ عقود طويلة.
وبالمقابل يؤكد (روبرت باري) الكاتب السياسي الأميركي المعارض لسياسة الهيمنة الأميركية أن الكثيرين من المختصين بالشؤون الروسية العسكرية والسياسية يؤكدون أن واشنطن لن تتمكن من تحقيق أهدافها هذه في الشرق الأوسط ولا في منطقة البحر الأسود وأوكرانيا لأن أقصى ما يمكن أن ينتج عن هذه السياسة الأميركية هو الدخول في نفق (حرب باردة) تتصارع فيها موازين القوى الإقليمية والدولية دون صدام مباشر ودون تغيير حاد في الخريطة السياسية لمصالح معظم الدول المنخرطة في سياسة الحرب الباردة مع هذا المعسكر أو ذاك.. ويرى (باري) أن الاتفاق بين السداسية الدولية وطهران يشكل اتفاقاً للانتقال من خطر الصدام العسكري المباشر ضد إيران واحتمال تطوره إلى صدام يشبه الحرب العالمية مع روسيا والصين إلى حالة الحرب الباردة لأن إيران لن تغير حلفاءها ولأن روسيا ستتمسك بطهران وحلفائها.. وهذا يعني أن واشنطن لن يكون بمقدورها أن تغير السياسة الإيرانية تجاه إسرائيل ولا تجاه السعودية التي تعتبر نفسها تحارب إيران في اليمن، ولكن السؤال المطروح هو وماذا ستشهده المنطقة من تطورات إذا بدأت الحرب الباردة تفرض نفسها في المنطقة؟
يرى (كريستوفر موريس) في تحليل نشره في مجلة (فاليو ووك) الأميركية أن القيادة العسكرية الأميركية أعدت تقريراً للوضع بين واشنطن تجاه موسكو وبكين ترى فيه أن أي صدام مع موسكو سيفرض صداماً مع الصين لأن أي طرف منهما أي من روسيا والصين يدرك أن انتصار واشنطن على أحدهما سينهي مصالح الطرف الآخر، وأن الاحتمال الأقوى هو أن تسود حرب باردة وطويلة لن ينتصر فيها أي طرف على الآخر، ويضيف موريس إن موسكو وبكين لن تسمحا بأي تدهور لمصالحهما في الشرق الأوسط وخصوصاً في سورية بعد أن ضمنت إيران من اتفاقها مع السداسية الدولية عدم شن حرب أمريكية مباشرة عليها.
وهذه الحقيقة أكدها محللون روس في أكثر من مناسبة وخصوصاً لأن سورية أثبتت قدرة منقطعة النظير في مجابهتها للتحديات التي فرضتها الأوضاع الداخلية خلال السنوات الأربع الماضية، ويرى السيناريو الذي يتوقعه المحللون الأميركيون للمنطقة أن السعودية ستظل غارقة بأزمة حربها على اليمن لسنوات كثيرة وستغرق تركيا في أزمتها بعد الانتخابات بطريقة تفرض عليها تخفيض دورها ضد سورية، بينما سينشأ تحالف إيراني عراقي سوري لبناني تدعمه موسكو وبكين وتعزز قدراته العسكرية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن